يقول تعالى:قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون:( إنما أعظكم بواحدة ) أي:إنما آمركم بواحدة ، وهي:( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) أي:تقوموا قياما خالصا لله ، من غير هوى ولا عصبية ، فيسأل بعضكم بعضا:هل بمحمد من جنون ؟ فينصح بعضكم بعضا ، ( ثم تتفكروا ) أي:ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ، ويتفكر في ذلك; ولهذا قال:( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) .
هذا معنى ما ذكره مجاهد ، ومحمد بن كعب ، والسدي ، وقتادة ، وغيرهم ، وهذا هو المراد من الآية .
فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"أعطيت ثلاثا لم يعطهن من قبلي ولا فخر:أحلت لي الغنائم ، ولم تحل لمن قبلي ، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها . وبعثت إلى كل أحمر وأسود ، وكان كل نبي يبعث إلى قومه ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، أتيمم بالصعيد ، وأصلي حيث أدركتني الصلاة ، قال الله:( أن تقوموا لله مثنى وفرادى ) وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي "- فهو حديث ضعيف الإسناد ، وتفسيرها بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد ، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة ، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم .
وقوله:( إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ):قال البخاري عندها:
حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا محمد بن خازم ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم ، فقال:"يا صباحاه ". فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا:ما لك ؟ فقال:"أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم ، أما كنتم تصدقوني ؟ "قالوا:بلى . قال:"فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب:تبا لك! ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله:( تبت يدا أبي لهب وتب ) [ المسد] .
وقد تقدم عند قوله:( وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء:214] .
وقال الإمام أحمد:حدثنا أبو نعيم ، حدثنا بشير بن المهاجر ، حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال:خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فنادى ثلاث مرات فقال:"أيها الناس ، أتدرون ما مثلي ومثلكم ؟ "قالوا:الله ورسوله أعلم . قال:"إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم ، فبعثوا رجلا يتراءى لهم ، فبينما هو كذلك أبصر العدو ، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه ، فأهوى بثوبه:أيها الناس ، أوتيتم . أيها الناس ، أوتيتم - ثلاث مرات ".
وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بعثت أنا والساعة جميعا ، إن كادت لتسبقني ". تفرد به الإمام أحمد في مسنده .