قوله:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} المراد بالأنفس الأرواح وقيل: النفس غير الروح ،فالروح لها تدبير عالم الحياة ،وأما النفس فلها تدبير عالم الإحساس .وهو قول ابن عباس وغيره .والأظهر أنهما اسمان مترادفان فهما شيء واحد .وإن فراق ذلك من الأجساد يعني موتها وهو تأويل قوله:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أي يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلّقها عنها وتلك هي الوفاة الكبرى .
قوله:{وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي يتوفى الأنفس حين تنام – تشبيها للنائمين بالموتى – وتلك هي الموتة الصغرى التي يُسلبْ فيها النائم القدرة على الإدراك والإحساس والوعي ،مع أنه يتنفس ،وقلبه خافق ينبض .ويصطلح الباحثون في الدراسات النفسية الحديثة على عبارة اللاشعور ،ويسمون ذلك بالعقل الباطن .وذلك شطر أساسي وكبير يجد الإنسان فيه متنفسه أثناء النوم .وهو الشطر الواسع من النفس ،الذي تحتشد في خضمِّه كل الرغبات المكبوتة للإنسان ،والتي عجز الإنسان عن تحقيقها وبلوغها في حال اليقظة أو الشعور فانحشرت جميعها في عالم اللاشعور من نفس الإنسان .وذلك هو الكبت .فما يجد المرء المكبوت بذلك من متسع للتنفيس عن هذه الرغبات المضغوطة المكبوتة إلا في الأحلام عند المنام .ويبقى مثل هذا التحليل للنفس الإنسانية مجرد تصوّر يتخيله الباحثون في علم النفس .وهو تصوّر يحتمل الخطأ والصواب ،في حق شطر من الأحلام ،لا كلها .فشطر من الأحلام – قلّ أو كثر – ربما كان نتيجة لإحساسات مختلفة من الأفراح والأحزان أو لرغائب محبوسة لم يتيسر لها التحقق والنفاذ ،أما أن تُفسَّر الأحلام على أنها كلها تعبير عن رغبات مكبوتة فذلك إسراف في الهوى والخطأ ومجانبة للحق والصواب ،وركون للخيال والتخريص الواهم ؛بل الصحيح أن شطرا عظيما من الأحلام لهو تجليات روحية صادقة وارتباط وثيق حقيقي بالملأ الأعلى في السماء .وهذا الشطر من الأحلام سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالمبشرات وهي جزء من النبوة الكريمة .
ومن أصدق الاحتجاج لهذه الحقيقة رؤى النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت ما تلبث أن تتحقق وتستبين في الواقع .وكذلك المؤمنون من بعده يرى كثير منهم الرؤى ثم يجدون تفسيرها في حياتهم وقد ظهر تأويلها واضحا لا شك فيه .
قوله:{فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي يقبضها فلا يردها وذلك هو الموت الحقيقي{وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} أي يطلق النفس الأخرى وهي النائمة{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي على الوقت المؤجل حتى تموت .
قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الإشارة ،إلى توفِّي الأنفس ،وفاتين: وهما وفاة الموت ووفاة النوم ؛إذ يمسك الله الأولى بقبضها ،وإرسال الأخرى النائمة ؛فإن في ذلك آيات ظاهرة على قدرة الصانع العظيم .وهي آيات مكشوفة يتدبرها أولو العقول السليمة ،الذين يُجيلون فيها أفكارهم فيعتبرون كل الاعتبار{[3982]}