ثمّ لتوضح أنّ الحياة والموت وكلّ شؤون الإنسان هي بيد الله سبحانه وتعالى ،قالت الآية: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ){[3824]} .
وبهذا الشكل فإن ( النوم ) يعد شقيق ( الموت ) لكن بأحد أشكاله الضعيفة ،أي ( أشكال الموت ) ،لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم ،وتقطع الكثير من العلاقات والوشائج بينهما .
وتضيف الآية ( فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) نعم ( إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .
من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أُمور:
1إنّ الإنسان عبارة عن روح وجسد ،والروح هي جوهر غير مادي ،يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور والحياة .
2عند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح والجسد ،ويذهب بالروح إلى عالم الأرواح ،وعند النوم يخرج البارئ عز وجل الروح والجسد ،ولكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة .ووفقاً لهذا فإنّ الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد ،وهي: ارتباط كامل ( حالة الحياة واليقظة ) وارتباط ناقص ( حالة النوم ) وقطع الارتباط بصورة كاملة ( حالة الموت ) .
3النوم هو أحد الصور الضعيفة ( للموت ) ،و ( الموت ) هو نموذج كامل ( للنوم ) .
4النوم هو أحد دلائل استقلال وأصالة الروح ،خاصة عندما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر .
5إنّ العلاقة التي تربط بين الروح والجسد تضعف أثناء النوم ،وأحياناً تقطع تماماً ممّا يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد ،أي موته .
6إنّ الإنسان عندما ينام في كلّ ليلة يشعر وكأنّه وصل إلى أعتاب الموت ،وهذا الشعور بحد ذاته درساً يمكن الاعتبار منه ،وهو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته .
7كلّ هذه الأُمور تجري بقدرة البارئ عز وجل ،وإن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح ،فهذا لا يعني سوى أنّه ينفّذ أوامر البارئ عز وجل .
وعلى أية حال ،فإنّ المراد من قوله تعالى: ( إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )هو إثبات دلائل قدرة البارئ عز وجل ،ومسألة الخلق ،والمعاد ،وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة الله عز وجل .
/خ44