قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 53 )} .
نزلت الآية في أهل مكة ؛إذ قالوا: يزعم محمد أن من عَبَدَ الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يُغفر له .وكيف نهاجر ونسْلم وقد عبدنا مع الله إلها آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله ؟فأنزل الله هذه الآية .وقيل: نزلت في قوم من المسلمين أسرفوا على أنفسهم في العبادة وخافوا ألاَّ يتقبَّل منهم لذنوب سبقت لهم في الجاهلية .وقال ابن عباس: نزلت في وحشيّ قاتل حمزة ؛لأنه ظن أن الله لا يقبل إسلامه{[3987]} لا جرم أن هذه الآية أكثر الآيات في الكتاب الحكيم فرحا ؛لما فيها من إعلان رباني كريم يفيض بالإحسان والفضل والرحمة ؛فإن فيها بيانا بأن الله غفار لسائر الذنوب عقب التوبة والندم إذا ما اجتُنب الإشراك بالله وهو قوله:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وتقنطوا ،من القنوط ،بضم القاف وهو الإياس من رحمة الله{[3988]} .وذلك إعلان من الله داوٍ ينادي فيه عباده من الكافرين وغيرهم ،الذين أسرفوا على أنفسهم بكثرة المعاصي والذنوب أن يبادروا بالتوبة والإنابة إلى الله .وفيه إخبار منه سبحانه بأنه يغفرُ الذنوب جميعا لمن تاب منها وإنْ كانت مثل زبد البحر .فما ينبغي لأحد بعد هذا الكرم الرباني الفياض ،وهذه الرحمة الدافقة الغامرة أن ييأس من رحمة الله فيسْدُرَ في الإياس والعصيان .
وفي عظيم رحمة الله بعباده وبالغ كرمه ولطفه بهم كيلا ييأسوا من رحمة الله روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم ،والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم "وروى الإمام أحمد أيضا عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كفارة الذنب الندامة "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيغفر لهم ".
وعن عبد الله بن الإمام أحمد بسنده عن علي بن أبي طالب ( رضي الله تعالى عنه ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب ".