قوله:{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} ذكر أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط ،فقد كانا خليلين وهما من رؤوس الطغاة والمجرمين .وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي معيط ،فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا ولم تتفل في وجهه ،ففعل عقبة ذلك ،فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبرا{[4150]} وقتل أمية في المعركة .والصحيح أن الآية عامة في سائر الأخلاء الظالمين المتحابين في الدنيا ،فإنهم يوم تأتيهم الساعة ينقلب بعضهم لبعض عدوا .أي يعادي بعضهم بعضا .
وهو قوله:{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو} الأخلاء جمع خل وخليل وهو الصديق من المخالة ،والخلة بالضم والفتح وهي الصداقة{[4151]} فهم يوم القيامة متنافرون ،إذ يكره بعضهم بعضا ،ويلعن بعضهم بعضا بعد أن كانوا في الدنيا متحابين تجمع بينهم علائق شتى من أمور الدنيا ومصالحها وغير ذلك من قضايا الشر والظلم والباطل والإيذاء ،فضلا عما كان يجمع بينهم من شديد المكائد والمؤامرات للإسلام والمسلمين ،فإن اشتداد الكراهية والأحقاد المحتقنة في قلوب الظالمين على اختلاف مللهم وعقائدهم ومذاهبهم تدفعهم للتلاقي بينهم ليكونوا أخلاء متحدين من أجل التصدي للإسلام والمسلمين ،والكيد لهم .أولئك المتحابون في الدنيا ،المجتمعون على العدوان والكيد للإسلام والمسلمين لإضعافهم وإذلالهم وإبادتهم ،إنما ينقلبون يوم القيامة متباعضين متلاعبين بعد أن انقطعت بينهم أسباب المودة والتلاقي ،واشتغل كل واحد منهم بنفسه ،ووجدوا ما كان يجعلهم أخلاء ،أسبابا لهلاكهم وخسرانهم فصار بعضهم لبعض عدوا{إلا المتقين} فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة ،لأن ما كان يجمعهم في الدنيا من أسباب الخير وعلائق الدين والعقيدة لم ينقطع يوم القيامة .بل بقيت خلّتهم على حالها من ثبات التوثيق ومتانة الرباط .