قوله:{يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب} الصحاف جمع صحفة وهي إناء كالقصعة .وقال الزمخشري: الصحفة: قصعة مستطيلة{[4153]} والأكواب ،جمع كوب وهو كوز مستدير الرأس لا أذن له .ويقال: قدح لا عروة له{[4154]} .
والمعنى: أن المؤمنين في الجنة يطاف عليهم بصحائف الطعام وأكواب الشراب وهم آمنون مطمئنون وفي غاية النعيم والابتهاج ،لا يشقون ولا يشكون من حر ولا قر ولا شدة ،ولا يؤزهم هم ولا غم ولا نصب ولا كرب ،بل يجدون فيها من وجوه النعيم والراحة والهناء ما لا يتصوره بشر .
على أن الذهب والفضة يحرم استعمالها في الأكل والشرب .
فقد ثبت في الصحيحين عن حذيفة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ،ولا تشربوا في آنية الذهب و الفضة ،ولا تأكلوا في صحافها ،فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ".
وروى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم "،وقال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ".
ويستدل من ذلك على تحريم الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة وهو مالا خلاف فيه .أما استعمالهما في غير فإنه غير ذلك جائز للرجال على الراجح ،وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: "هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثها "والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل على تحريم استعمالها ،لأنه نوع من المتاع فلم يجز ،ولأن العلة في ذلك استعجال أجر الآخر .ويستوي في ذلك الأكل والشرب وسائر أوجه الانتفاع .
قوله:{وفيها ما تشتهيه الأنفس تلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} في الجنة من الخيرات والثمرات وأصناف النعم ما تشتهيه أنفس المؤمنين المحبورين المنعمين وما تستلذ به أعينهم أو يسعدون باشتمامه لفرط حسنه وبهائه وجماله .وهم في هذا الحال من النعم واللذائذ والمباهج قائمون دائمون لا يبرحون ولا يموتون .