قوله تعالى:{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم 16 والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم 17 فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم 18 فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} .
ذلك إخبار من الله ،يبين فيه حقيقة المنافقين وما هم عليه من بلادة الضمير ،وصقاقة الحس ،وكزازة الطبع .أولئك صنف من البشر ماكر ومراوغ وبور ،لا خير فيه ،فلا يعطف قلبه وعظ أو تذكير ولا يثني سماعه للقرآن عن لجوجه في الجحود والتكذيب والخداع .
فقال سبحانه:{ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا} والمراد بهم المنافقون كعبد الله بن أبي ابن سلول وأمثاله ،فقد ذكر أنهم كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه ،فإذا خرجوا سألوا عنه .وقيل: كانوا يحضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين فيستمعون منه ما يقول فيعيه المؤمن ولا يعيه الكافر .
قوله:{ماذا قال آنفا} الآنف معناه ،الماضي القريب .يقال: فعله آنفا أي قريبا .أو أول هذه الساعة .أو أول وقت كنا فيه{[4236]} يعني ،قال المنافقون لأهل العلم من الصحابة كابن عباس وابن مسعود ،لدى خروجهم من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا قال الآن ؟وذلك على سبيل التهكم والاستهزاء .
قوله:{أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} أي هؤلاء المنافقون بصفاتهم الخبيثة من فساد الطبائع وسوء الفطر ،قد ختم الله على قلوبهم فلا يهتدون إلى الحق وإنما يتبعون ما تسوّله لهم أهواؤهم من الجحود والتكذيب .