التّفسير
ظهرت علامات القيامة !
تعكس هذه الآيات صورة عن وضع المنافقين ،وطريق تعاملهم مع الوحي الإلهي ،وكلمات النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ومسألة قتال أعداء الإسلام ومحاربتهم .
وقد ورد الحديث حول المنافقين في السور المدنية كثيراً ،في حين لا نرى أثراً للحديث حولهم في السور المكية ،وذلك لأنّ مسألة النفاق ظهرت بعد انتصار الإسلام وتسلّمه السلطة والقوّة ،حيث أصبح المشركون في موقع ضعف وانهيار ،بحيث لم يكن باستطاعتهم إظهار مخالفتهم ،ولذلك اضطروا إلى التلبّس بالإسلام ليأمنوا غضب المسلمين الحقيقيين ،أمّا في الباطن فإنّهم لم يألوا جهداً في التآمر ضد الإسلام ،وكان يهود المدينة الذين كانوا يتمتّعون بقوة عسكرية واقتصاديةلا يستهان بها ،يعتبرون سنداً للمنافقين .
وعلى أي حال ،فقد توغّل هؤلاء بين المسلمين المخلصين ،وكانوا يحضرون عند النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويشاركون في صلاة الجمعة ،إلاّ أنّ تعاملهم تجاه آيات القرآن كان يفضح ما تنطوي عليه سرائرهم وقلوبهم المريضة .
تقول الآية الأولى من الآيات مورد البحث: ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً ) وكان مرادهم من ذلك الرجل هو النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
إنّ تعبير هؤلاء في شأن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكلماته البليغة ،كان من القبح والبذاءة إلى درجة تدل على أنّهم لم يؤمنوا بالوحي السماوي قط .
«آنفاً » من مادة ( أنف ) ،ولما كان للأنف بروزاً متميّزاً في وجه الإنسان ،فإنّ هذه الكلمة تستعمل في شأن أشراف القوم ،وكذلك تستعمل في مورد الزمان المتقدم على زمان الحال ،كما جاء في الآية مورد البحث .
ثمّ إنّ التعبير ب( الذين أوتوا العلم ) يوحي بأنّ إحدى علامات المؤمن امتلاكه الوعي الكافي ،فكما أنّ العلم مصدر الإيمان ،فكذلك هو وليد الإيمان وحاصله .
إلاّ أنّ القرآن الكريم قد أجابهم جواباً قاطعاً ،فقال: إنّ كلام النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن غامضاً ولا معقّداً ،بل ( أُولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) .
وفي الحقيقة فإنّ الجملة الثّانية علّة للجملة الاُولى ،أي إنّ اتباع الهوى يسلب الإنسان القدرة على إدراك الحقائق وتمييزها ،ويلقي الحجاب على قلبه ،بحيث أنّ قلوب متبعي الهوى تصبح كالظرف المختوم ،فلا يدخله شيء ،ولا يخرج منه شيء .
/خ19