قوله:{سيهزم الجمع ويولّون الدبر} والمراد بالجمع كفار مكة .فقد أخبر الله بانهزام جمعهم وانكسار شوكتهم وتفريق شملهم وتوليهم هاربين في بدر . وقد كان ذلك .وهذه واحدة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم .فقد روي عن سعد بن أبي وقاص: لما نزل قوله تعالى:{سيهزم الجمع ويولون الدبر} كنت لا أدري أي الجمع ينهزم ،فلما كان بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول:"اللهم إن قريشا جاءتك تحادك وتحاد رسولك بفخرها وخيلائها فأخنهم{[4413]} الغداة "ثم قال:{سيهزم الجمع ويولون الدبر} فعرفت تأويلها .وقال ابن عباس كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين ،فهذه الآية مكية .
وهذه حقيقة يستيقنها كل متدبر مدكر من المسلمين .وهي حقيقة ما ينبغي أن تغيب عن أذهان الداعين إلى دين الله على بصيرة .وهي أن الكفر مهما طغى واشتد وبغى فإنه لا محالة صائر إلى التبدد ،والاندثار .وكذلك المشركون الظالمون من أعداء الله والحق ،أعداء الإسلام والمسلمين فإنهم مهما اشتدت صولتهم واستطالت شوكتهم واستطار شأنهم وعزهم ،وهاج فيهم الغرور والاستكبار وحب السيطرة والاستعلاء فإنهم مهزومون مدبرون أنذال إذا اصطدم غرورهم وعجرفتهم بوحدة المسلمين واستمساكم بعقيدة الإسلام الراسخة المتينة .لا جرم أن المسلمين وهم يمضون متوادين متعاونين متآزرين وقد غمرت قلوبهم نفحة العقيدة والتقوى ،ولم يرتضوا عن منهج الإسلام بديلا ولم تفرقهم الأهواء والخلافات والخصومات ،فإنهم منصورون بعون الله وتوفيقه ،وأن جحافل الكافرين على اختلاف أجناسهم ومللهم ،وعلى تعاظم جموعهم وأعدادهم وعساكرهم ،لا محالة صائرون إلى الخزي والهزيمة والتبدد .وليس على المسلمين في ضوء هذه الحقيقة إلا أن يتنادوا متماسكين فيتلاقوا حول عقيدتهم الصلبة ومنهج الله العظيم القويم ،فإنهم والحالة هذه منصورون ظاهرون أعزة ،وأن الكافرين الظالمين المعتدين مهزومون مولون الدبر ،يجرجرون الخسران والعار .