قوله:{وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض} يعني ما الذي يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله والجهاد مع رسوله وأنتم صائرون لا محالة إلى الهلاك والفناء فتاركو أموالكم من بعدكم فمردها إلى وارث السموات والأرض .
قوله:{لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أي لا يستوي هذا المؤمن الذي أنفق ماله في سبيل الله وقاتل المشركين من قبل فتح مكة وعزة الإسلام{أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} يعني أولئك الذين أنفقوا أموالهم قبل فتح مكة وهم السابقون من المهاجرين والأنصار أعظم درجة من المؤمنين الذين أنفقوا وقاتلوا المشركين بعد فتح مكة ،فثمة تفاوت بين الفريقين المنفقين المجاهدين من قبل الفتح ومن بعده .وذلك أن أمر المسلمين من قبل الفتح كان شديدا عسيرا .وكانت حالهم يظلها الخوف والإرهاب وطغيان المشركين الظالمين عليهم .لا جرم أن التمسك بالعقيدة الصحيحة والتزام شرع الله وأحكام دينه في مثل تلك الظروف القاسية أعظم قدرا من مثله بعد الفتح حيث الأمن والقوة والمنعة للمسلمين .
قوله:{وكلا وعد الله الحسنى} كلا ،مفعول أول لوعد .والحسنى ،مفعوله الثاني .يعني كل واحد من الفريقين{وعد الله الحسنى} وهي دخولهم الجنة مع تفاوت الدرجات بين المؤمنين الداخلين .
ويستفاد من هذه الآية أن الفريقين من الصحابة أبرار كرماء عند الله ،فما ينبغي الغضّ من قدر فريق منهم ،وإنما هم جميعهم طيبون عظماء يفضلون من بعدهم من المؤمنين على مرّ الزمن بفضل شرف الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي قدّر لهم أن يحظوا بها ،مع التذكير بأنهم من مراتب الإيمان وحسن الجزاء يوم القيامة متفاوتون .وذلك هو شأن المؤمنين في كل زمان ومكان .وذلك من حيث التفاوت في درجات إيمانهم وعزائمهم وما يؤدونه من إنفاق وتضحيات وجهاد ،فإن فيهم العظيم وفيهم الوسط وفيهم دون ذلك .وفي الحديث الصحيح:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ".
قوله:{والله بما تعملون خبير} الله يعلم ما أنتم عليه من تفاوت في الإيمان والإخلاص والعمل ،فجازى كلا بما يستحق من الثواب .