قوله تعالى:{وقالوا هذه أنعم وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعم حرمت ظهورها وأنعم لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون} .
وهذا لون آخر من ألوان الكفر وصورة أخرى من صور الجهالة والضلالة قد ارتكس فيهما المشركون الجاهليون أشنع ارتكاس .إذ قالوا:{هذه أنعم وحرث حجر} أي أنعام وزرع{حجر} والحجر ،بالكسر معناه الحرام والمنع{[1286]} فقد حرموا أنعاما وجعلوها لأصنامهم .فهي ممنوع منها كل أحد غير آلهتهم الأصنام .وقالوا أيضا:{لا يطعمها إلا من نشاء} أي نحتجرها عن النساء ونجعلها للرجال .وقيل: احتجروها لخدم الأصنام .لا جرم أن ذلك تحكم وباطل لم يرد به شرع ولم يأمر به الله .وهو قوله:{بزعمهم} أي بظنهم المشوب بالكذب والذي لا تسعفه حجة أو برهان .
قوله:{وأنعم حرمت ظهورها} المراد بها البحائر والسوائب والوصائل والحوامي .وقد سبق توضيح معاني هذه الأسماء .فهذه الأنعام تعتق وتمنع ظهورها من الركوب أو الحمل عليها لتظل بزعمهم محتجرة للآلهة .وقيل: المراد بالأنعام هنا ما يجعلونه نصيبا لآلهتهم ،فيسيبونه لها ويمنعون ظهوره من الركوب والحمل .
قوله:{وأنعم لا يذكرون اسم الله عليها} وهذا قسم آخر من أقسام الأنعام كانوا لا يذكرون اسم الله عليها عند ذبحها بل كانوا يذكرون عليها اسم الأصنام .وقيل: المراد: ما ذبح من الأنعام على النصب .أي من أجل آلهتهم .
قوله:{افتراء عليه} مفعول لأجله منصوب .أو مصدر مؤكد .أي فعل هؤلاء المشركون ما فعلوه ،وقالوا من الكفر ما قالوا مما نسبوه إلى الله ظلما ،إنما كان كذبا عليه سبحانه .
قولهم:{سيجزيهم بما كانوا يفترون} ذلك وعيد من الله لأولئك المشركين الخراصين الذين يفترون على الله الكذب ،بأنه مجازيهم من العقاب ما يستحقونه في مقابل شركهم وضلالهم وافترائهم على الله بالباطل{[1287]} .