قوله تعالى:{وهو الذي خلق السموت والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير} الله وحده حقيق بالعبادة والخضوع لجلاله والامتثال لأمره وليس الآلهة المصطنعة والأنداد المختلفة الموهومة .الله وحده خليق بتوجه القلوب والنواصي إليه ،فهو خالق السموات والأرض بالحق .أي خلقهما حقا وصدقا لا باطلا ولا لهوا .وقيل: بالحق يعني بقوله:{كن} .
قوله:{ويوم يقول كن فيكون} أي واذكر يوم يقول كن فيكون .والمراد بذلك كل ما يحييه الله من الخلائق يوم القيامة بعد موته في الدنيا أو يعيده بعد فنائه .
قوله:{قوله الحق} قوله: مبتدأ .والحق صفته .وخبر المبتدأ مقدم وهو{ويوم يقول كن فيكون} والتقدير: ويوم يقول كن فيكون ،قوله الحق .وقيل: قوله خبر ،والحق صفته ،والمبتدأ تأويله خلق السموات والأرض بالحق وقوله للخلائق كن ،كل ذلك مبتدأ .
والمعنى أن خلق السموات والأرض وإحياء الخلائق بعد موتها بقوله:{كن} كل ذلك حق أي صدق وعدل ويصدر عن حكمة إلهية .
قوله:{وله الملك يوم ينفخ في الصور} أي أن الملك كله لله في هذا اليوم الذي ينفخ فيه في الصور .وفي معنى الصور اختلاف بين المفسرين والصحيح في ذلك أن المراد به القرن الذي ينفخ فيه الملك الموكل بذلك .وثمة نفختان ينفخهما الملك العظيم وهما نفخة الموت والفناء ،ثم نفخة البعث والإحياء .والمراد هنا الثانية .وقد روى مسلم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ".
قوله:{عالم الغيب والشهدة} عالم مرفوع على أنه نعت ( للذي ) في قوله{وهو الذي خلق السموت والأرض} أي أن الله يعلم الغيب وهو المستور الذي تعجز عن إدراكه الحواس والأبصار .وذلك هو الشطر الأعظم مما في هذا الوجود الحافل بالأشياء والحقائق وجلها خفي مستور لا يعلمه إلا الله .
وكذلك{والشهدة} وهي كل مشهود معاين تدركه الأبصار والحواس .
قوله:{وهو الحكيم الخبير} الحكيم ،المصيب في أفعاله وتصريفه أمور خلقه وفي تدبيره الحياة والأحياء والكائنات جميعا .وهو كذلك الخبير .أي العالم بكل ما يقع وبكل ما تكسبه الأحياء والبرية من غير اشتباه ولا التباس{[1203]} .