{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} فليس فيها أيّ عبثٍ في التكوين ،فكل شيء خاضعٌ لحكمة ،وكل ظاهرة منطلقة من قانون ..فلا ينحرف أيّ شيءٍ فيهما عن مداره ،ولا يخرج عن مواقعه ،وبذلك يحقق الوجود غايته التي جعلها الله له ،فلا بد من أن تخضع الأشياء كلها ،بما فيها الإنسان ،للحقّ .
{وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} في ما يمثله ذلك من خضوع الوجود لإرادته ،سواءٌ في ذلك يوم التكوين ،أو يوم القيامة ،وهذا هو{قَوْلُهُ الْحَقُّ} لأنه يمثّل الحقيقة الكونية في ثباتها وقوّتها ،والحقيقة التشريعية في حكمتها وحركتها .{وَلَهُ الْمُلْكُ} لأنه الخالق لكل شيء ،ومن ذا الذي يملك الأشياء غير خالقها ومبدعها ؟!فهو الذي أوجدها ،وهو الذي يبعثها ،وهو الذي يهيمن عليها في يوم البعث{يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّوَرِ} يوم يقوم الناس لرب العالمين .
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} المطّلع على كل ما أظهروه وما أضمروه ،في ما يوحي به ذلك من الإحساس بخطورة المسؤولية أمام الله{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} الذي أجرى الأشياء بحكمته ،وعرف الأشياء بخبرته من خلال ما يعرفه من شؤون عباده .
استيحاءات هذا الفصل من الآيات
توحي إلينا هذه الآيات بالانفتاح على الآفاق الروحيّة التي يتحرك بها الإيمان في وجدان الإنسان وعقله ،لينطلقمعهافي مواجهة المواقف الصعبة ،وليثبت أمام التحديات الكافرة والضالة التي تفرضها ساحة الصراع ،وليدخل الإنسانمعهافي محاكمة ذاتيةٍ تعتمد على إثارة علامات الاستفهام ،ثم تقديم الأجوبة الحاسمة التي تؤكد الموقف وتدعم الفكرة في خط الإسلام ،من خلال الإيحاء بالتصور الدقيق للكثير من مظاهر عظمة الله .
وهنا في هذه الآيات عدة نقاط:
النقطة الأولى: في آية:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا} إلخ ،لقد أعطت الأحاديث الواردة عن أهل البيت( ع ) وعن النبي( ص ) لهذه الآية بعداً واسعاً في عالم التطبيق على واقع الانحراف والموقف منه بما يتجاوز مدلولها في مسألة الخوض في آيات الله النازلة على النبي( ص ) وفي النبي والقرآن ،فقد جاء في تفسير القمي بإسناده عن عبد الأعلى بن أعين قال: قال رسول الله( ص ): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم ،فإن الله يقول في كتابه:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .
وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر الباقر( ع ) قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .وفيه: أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن عليالباقرقال: إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله .وفي تفسير العياشي عن ربعي بن عبد الله عمن ذكره عن أبي جعفر( ع ) في قول الله:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِ آياتِنَا} قال: الكلام في الله والجدال في القرآن ،{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} قال: منه القصّاص .وفي ضوء ذلك ،يمكن أن نستوحي منه الحديث في كل خط باطل وموقف ضلال على مستوى قضايا الفكر والسياسة والاجتماع ونحو ذلك مما يمثل قضية الإسلام كله والأمة كلها في صعيد النظرية والتطبيق .
النقطة الثانية: أثار الجبائي ،في ما نقله عنه صاحب مجمع البيان ،مسألة اعتبار قوله تعالى في الآية{وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أنها تصلح رداً على بطلان قول الإمامية في جواز التقيّة على الأنبياء والأئمة ،وأن النسيان لا يجوز على الأنبياء .
وأجاب صاحب مجمع البيان على ذلك ،قال: هذا القول غير صحيح ولا مستقيم ،لأن الإمامية إنما تجوّز التقية على الإمام في ما تكون عليه دلالة قاطعة توصل إلى العلم ويكون المكلف مُزاح العلة في تكليفه ذلك ،فأما ما لا يُعرف إلا بقول الإمام من الأحكام ولا يكون على ذلك دليل إلا من جهته فلا يجوز عليه التقية فيه ،وهذا كما إذا تقدم من النبي بيان في شيء من الأشياء الشرعية ،فإنه يجوز منه أن لا يبين في حال أخرى لأمته ذلك الشيء إذا اقتضته المصلحة ،ألا ترى إلى ما روي أن عمر بن الخطاب سأله عن الكلالة فقال: يكفيك آية السيف .
وأما النسيان والسهو فلم يجوّزوهما عليهم في ما يؤدونه عن الله تعالى ؛فأما ما سواه فقد جوزوا عليهم أن ينسوه أو يسهوا عنه ما لم يؤد ذلك إلى إخلال بالعقل ،وكيف لا يكون كذلك وقد جوّزوا عليهم النوم والإغماء وهما من قبيل السهو ،فهذا ظن منه فاسد وإن بعض الظن إثم .
ونحن نلاحظ على كلام العلامة الطبرسي في حديثه عن إمكانية امتناع النبي عن بيان بعض الأحكام أو القضايا المتصلة بالمفاهيم الإسلامية لمصلحة ،بأن هذه الفرضية غير واردة في الأمر الإلهي بتبليغ ما أوحى به الله إليه وكلّفه بإبلاغه ليكمل للناس دينهم وليستكمل للإسلام كل عقائده وشرائعه ومفاهيمه ومناهجه التي ارتضاها الله لهم ديناً في كل ما يحتاجونه في شؤونهم العامة والخاصة كما جاء في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً} [ المائدة:3] إننا لا نتصور أنّ هناك مصلحة في إخفاء أي حكم من الأحكام أو أيّ مفهوم من المفاهيم الإسلامية من قبل النبي ،لأن معناه إخفاء حقيقة شرعية ملزمة أو ترك بيان مفهوم إسلامي متصل بالحياة الفكرية والعملية للناس ،لأن ذلك يعني إبعادهم عما يصلحهم ويسدّدهم ،لذلك فإن هذا الموضوع ليس وارداً في الحساب إلا على مستوى التأخير في البيان من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ أخرى ،كما جاء ذلك في مسألة تدرّج إنزال الآيات ،وتدرّج تشريع الأحكام لا إلغاء الحكم مطلقاً ،والله العالم .
ولعل الجواب الصحيح هو أن التقية لا وجود لها عند الأنبياء الذين أرسلوا ليصدموا الواقع الفكري والعملي المنحرف ،وليواجهوا الأمور من موقع الشجاعة الرسالية من أجل أن يبلغوا الرسالة للناس كاملة غير منقوصة .
أما بالنسبة إلى الأئمة الذين جاءوا بعد إكمال تبليغ الرسالة ليكون دورهم حراسة أصالتها وحماية خطتها وبيان أحكامها وتأصيل مفاهيمها ،فقد تكون التقية واجبة عليهم ،ولكن بشرط أن لا تكون المسألة على حساب الرسالة أو إضاعة أحكامها أو إلغاء مفاهيمها ،بل تكون على مستوى الحالات الطارئة بين حالةٍ وأخرى من أجل حماية القيادة ،وحماية الخط ،مع البقاء في الساحة من أجل تفصيل ما أُجمل وتوضيح ما أشكل وبيان الحقيقة في ما تحركت التقية فيه .وقد أكد صادق أهل البيت( ع ) الإمام جعفر( ع ) أن التقية جائزة من غير استفساد في الدين .
ونحن نعرف أن الله تحدث عن التقية في القرآن في قوله تعالى:{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [ آل عمران:28] .وفي قوله تعالى في قصة عمار بن ياسر الذي نطق بكلمة الكفر تحت التعذيب:{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [ النحل:106] حيث روي أن النبي محمداً( ص ) قال له: يا عمار إن عادوا فعد ،ما يدل على أن شرعية التقية انطلقت من القرآن في الحالة الضاغطة التي لا يملك فيها الإنسان فرصةً للتوازن والتماسك ،فتكون التقية وسيلةً طارئة للتخفف من الضغط القاسي ليرجع بعد ذلك إلى بيان الحق من أقوى موقع .
أما مسألة نسبة السهو والنسيان إلى الأنبياء في غير حالة التبليغ ،فقد ذهب إليه الصدوق وتبعه جماعة ،وقد اعتبر أن من علامات الغلوّ نفي السهو عن النبي محمد( ص ) .
وقد ذهب أستاذنا آية الله السيد الخوئيقدس سرهجواباً عن سؤالكما ورد في كتاب منية السائل: القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية .
وقد ذهب المشهور من متكلمي الشيعة إلى أن الأنبياء والأئمة معصومون عن الخطأ ومصونون عن النسيان ،لا في قضايا الأحكام وحدها ،بل حتى في القضايا العادية .
وقد استقربنا في الاستدلال على العصمة أن المسألة تنطلق من وعي مسألة النبوة ودور النبي ،فإن النبي ليس ساعي بريد ليحمل الرسالة ويبلّغها للناس وتنتهي مهمته عند ذلك الحدّ ،بل هو إنسان أرسله الله ليغير العالم بالحق على مستوى النظرية والتطبيق في الأمور الشرعية والعادية ،كما أن النبوّة تتحرك في هذا الاتجاه ،الأمر الذي يفرض كون النبي حقاً كله ،فلا يعرض الباطل لفكره ولعاطفته ولقوله وفعله وعلاقاته ومواقفه في شؤون الحياة والإنسان ،ما يجعل النبي معصوماً كاملاً شاملاً نتيجةً لذلك كله ،وقد ذكر العلامة الطباطبائي قدس سره تعليقاً على هذه الآية:{وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ...} قال: و "الخطاب في الآية للنبي( ص ) والمقصود به غيره من الأمة ،فقد تقدم في البحث عن عصمة الأنبياء( ع ) ما ينفي وقوع هذا النوع من النسيانوهو نسيان حكم إلهي ومخالفته عملاً بحيث يمكن الاحتجاج بفعله على غيره والتمسك به نفسهعنهم( ع ) .ويؤيد ذلك عطف الكلام في الآية التالية إلى المتقين من الأمة ،حيث يقول:{وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} إلى آخر الآية .
وأوضح منها دلالة قوله تعالى في سورة النساء:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [ النساء:140] فإن المراد في الآية وهي مدنّيةبالحكم الذي نزل في الكتابهو ما في هذه الآية من سورة الأنعام وهي مكية ،ولا آية غيرها ،وهي تذكر أن الحكم النازل سابقاً وُجّه به إلى المؤمنين ولازمه أن يكون الخطاب الذي في قوله:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا} الخ موجهاً إلى النبي( ص ) والمقصود به غيره ،على حد قولهم:"إياك أعني واسمعي يا جارة ".
النقطة الثالثة: أثار صاحب مجمع البيان سؤالاً حول نسبة النسيان إلى الشيطان فقال:"كيف أضاف النسيان إلى الشيطان وهو فعل الله تعالى ؟والجواب: إنما أضافه إلى الشيطان لأنه تعالى أجرى العادة بفعل النسيان عند الإعراض عن الفكر وتراكم الخواطر الردية والوساوس الفاسدة من الشيطان ،فجاز إضافة النسيان إليه لما حصل عند فعله ،كما أن من ألقى غيره في البرد حتى مات فإنه يضاف الموت إليه لأنه عرّضه لذلك وكان كالسبب فيه ".
وهو توجيه جيد ،لأن الله سبحانه ينسب الأفعال الناشئة من الأسباب غير المباشرة إلى فاعل السبب ،كما ينسبها إلى الإنسان الذي يقوم بالفعل مباشرة ،أما علاقة الله بذلك فهو لأنه هو الذي ربط بين الأسباب والمسببات ،وجعل الأسباب في أيدي المخلوقين .
النقطة الرابعة: قوله تعالى:{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} .ما هي صورة هؤلاء ؟
ربما يكون المقصود بالكلمة ،أنهم لا يمارسون دينهمفي الشرك وعبادة الأوثانبطريقة جدّية باعثة على الاهتمام به وبالدعوة إليه وبالالتزام بخصائصه في حركتهم في الحياة ،بل يمارسونه ممارسة اللاهين اللاعبين الذين يحركونه من أجل مصالحهم وأطماعهم وشهواتهم ،فهو وسيلة لتأكيد الذات والمنفعة بعيداً عن أيّ محتوى فكري أو التزام عمليّ ،ولهذا نراهم يتحركون في حياتهم من منطق اللعب واللهو ،فلا مجال لمناقشتهم والدخول معهم في حوار فكري ،لأنهم لا يلتقون بالفكر في كل حياتهم وأوضاعهم .
حتى أن عقيدة الشرك لا تمثّل أمراً جاداً من ناحية فكرية ،فلا يتعبون فكرهم في إقامة الحجة عليها من قريب أو من بعيد .
وربما كان المقصود بها ،أن هؤلاء ينطلقون باللهو واللعب الذي يمثل الطابع العام لحياتهم ،فليس لهم من الدين شيء حتى في ما يلوّحون به ،لأن قضيتهم تتحرك من عناوين جوفاء لا تحمل أي شيء ولا توحي بأي شيء .
وهذا هو شأن كل الناس الذين لا يمثّل الإيمان لديهم عقيدة والتزاماً فكرياً وعملياً بحيث يحركونه في حياتهم في اتجاه قضايا المصير التي تقف في مستوى الأهمية الكبرى للإنسان ،بل إنهم يحاولون تحريك شعائر الدين ومقدساته في نطاق لهوهم وعبثهم ولعبهم للوصول إلى أهدافهم الخاصة ،وهؤلاء هم الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ويتاجرون بالدين ويستغلّونه لتلبية شهواتهم ومنافعهم الشخصية .
النقطه الخامسة: في آية:{قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى} ،إننا نستوحي منها التأكيد على المؤمنين الذين اقتنعوا بالإيمان فكراً وعقيدةً وحركة للحياة ،وانفتحوا على الله الذي يملك الأمر كله ويملك النفع والضرر لكل المخلوقات ،أن يحدّقوا بكل الدعوات الكافرة والضالّة التي تريد لهم أن يتراجعوا عن الخط الإيماني ويرجعوا على أعقابهم نحو الطريق الذي ينتهي بهم إلى الضياع ،تماماً كما هي المتاهات في الصحراء ،كمثل الشياطين الذين كان العرب يعتقدون أنهم يكمنون في منعطفات الطرق لإغواء السائرين عليها وإضلالهم عن الطريق بكل وسائل الإغواء التي يملكونها أمام السذاجة التي يعيشها هؤلاء الناس من السائرين على غير هدى .
ويثير القرآن أمامهم الحقيقة الثابتة في حركة الإنسان في الحياة ،فالله الذي خلق الناس ودبّرهم وأنعم عليهم ،هو الذي يعرف ما يصلحهم وما يفسدهم ،وهو الرحيم بهم وهاديهم إلى سواء السبيل ،وهو الذي لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضرّه معصية من عصاه ،وهو الذي يملك الهدى كله ،فهداه هو الهدى الذي لا يقترب منه الضلال ،وعليهم أن يسلموا الأمر إليه ،لأنهوحدهالذي ينفعهم ويضرّهم ويحييهم ويميتهم ،وهو ربّ العالمين .
إن هذه النقطة تمثل الإيحاء الغني لكل الأجيال المؤمنة التي تواجه الدعوات الضالة والكافرة العاملة على إبعادهم عن الخط المستقيم بأساليبها الملتوية ووسائلها المضلّة التي لا تمثّل شيئاً من معنى الحقيقة من قريب أو بعيد .
إن المطلوب هو وعي الإنسان للاتجاهات المضادّة للدخول في مقارنة واعية بين ما هو عليه من الإيمان بالحقّ وبين ما يدعو إليه المضلون للاتجاه نحو الباطل .