قوله:{فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين} إذ ،للمفاجأة ،وهي بمنزلة ثمة وهناك ،وهي في محل رفع خبر .والمبتدأ ثعبان ؛أي ألقى موسى عصاه على الأرض فانقلبت ثعبانا وهو الذكر من الحيات .وقوله{مبين} أي صارت حية بارزة ظاهرة مخوفة قد رآها من كان حولها عيانا من غير لبس في ذلك ولا شك .وهذه واحدة كبرى من جملة معجزات أوتيها موسى لتكون لفرعون آية عسى أن يدكر أو يهتدي أو يرشد .
وفيما يذكره كثيرون من علماء التفسير عن حال فرعون لما رأى العصا تنقلب ثعبانا ضخما ،لهو مثير للعجب ؛فقد ذكروا أن هذا الطاغوت الكبير لما رأى الثعبان الهائل ،تملكه الذعر والهلع والارتباك وغشيته غاشية من الذعر والارتجاج ،فما لبث أن أحدث في ثيابه .لا جرم أن قصة كهذه تكشف لذوي العقول والنباهة من الناس أن هؤلاء الطواغيت الذين يسوسون الناس بالقهر والطغيان والجبروت ليسوا غير آحاد من الشخوص المزيفة الكاذبة الخاوية ،الشخوص المنتفخة انتفاخ المسلط المخادع المغرور ،الذي استحوذ على الناس بزيفه وخداعه وأكاذيبه حتى يتخيل الناس ووهموا أنه عظيم .وهو في ميزان الحقيقة والواقع ليس إلا صنما من البشر المموه الفارغ .البشر المتلصص الدجال الذي يصطنع لنفسه الشجاعة والبراعة وحسن السمت والمظهر والناس عنه في غفلة .ولو أردك الناس حقيقته عيانا لأيقنوا أنه جبان وأرعن وخسيس ومذعور وهم عنه غافلون !.