{وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ} ويبقى الهاجس الذي يطوف بخيالات المشركين في حديثهم عن النبي ،هو المعجزة الخارقة التي تدهش النظر بتغيير المألوف من الظواهر الكونية من حولهم ،تماماً كما كانوا يسمعونه عن عصا موسى( ع ) وإبراء عيسى( ع ) الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ؛ولذلك فقد كانوا يقترحون عليه أمثالها أو ما يقرب منها .ولكن المعجزة ليست عملاً استعراضياً يقوم به النبي من أجل إبراز قدرته التي تصدم الحس ،وتلهب الخيال ،بل هي وسيلة من وسائل إقامة الحجة على الناس ،في ما يعتبر بينة للرسالة ،في حالات الشك والريب في صدقية النبي ورسالته .ولذلك فإن النبي محمد( ص ) جاء بالقرآن الذي يشتمل على كل ما في الصحف الأولى التي جاء بها الأنبياء السابقون مما لم يتعلمه عند أحد من الناس ،كما يعرفونه من أمره ،في ما يعرفونه من دقائق حياته ،وهو الكتاب الذي{لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [ فصلت:42] ،ولم يستطع أحد منهم ولا من غيرهم أن يأتي بسورة من مثله ،بالرغم من التحدي الكبير الذي أثاره أمامهم ،{أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى} فيجدون من خلال ذلك الدليل على صدق القرآن في أحكامه وشرائعه وبيناته ..
وربما كان المقصودكما يذكر البعضالتهديد بما يمكن أن يأتيهم من العذاب على ما يقترحونه من الخوارق والمعجزات للتعجيز ،فإذا جاءتهم امتنعوا عن الإيمان به ،كما كان يحدث للأمم السالفة ،إذ كان العذاب يرافق الكفر بعد قيام المعجزة ،فيكون ذلك سبباً لهلاكهم ،فتكون الآية تحذيراً لهم من ذلك لينتهوا عنه .