{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} لأنها هي التي تعرج بك إلى الله ،فتصفّي لك روحك ،وتطهر قلبك ،وتفتحه على الخير كله ،وهي التي توحي لك بكل المعاني الطاهرة ،والقيم الروحية ،والأخلاق العالية ،لتكون ملهمة للتسامي الروحي ،والتركيز العملي .ولذلك فإن الإنسان المؤمن هو الذي يعمل كي يكون مجتمعه الأقرب إليه ،مجتمع صلاة يتعبّد فيها لله ،ويخلص فيها له ،ويقترب فيها منه بروحه وقلبه وضميره ،ليكون المجتمع الذي يراقب الله في سره ويتّقيه في علانيته ،لأن ذلك ما يحقق له التوازن في العلاقات المنفتحة على الله من موقع المسؤولية ،وعلى الإنسان من موقع الرحمة ،وفي المعاملات الخاضعة للشروط الشرعية في ما يحل منها وفي ما يحرم ،وفي الكلمات المسؤولة التي تعرف من أين تبدأ وإلى أين تنتهي في ما يصلح أمر الحياة من شؤون المعرفة والحركة .ثم الأمر بالاصطبار عليها في نفسه ،في ما تحتاجه إلى وعي للموقف فيها ،وللخشوع معها ،ولاستلهام معانيها في أقوالها وأفعالها ،فلا يسرع فيها إسراع من يريد أن يفرغ منها ،من دون أن يستوعب دروسها ،ولا يهملها في أوقاتها ومواقعها ،لأنها هي الأساس الذي يرتكز عليه امتداد العمل في سائر جوانب الحياة ،لأنها تشير إلى العمق الأعمق في المسألة ،وهو الانفتاح على الله ،وتأكيد العلاقة معه في حركة التقوى في داخل النفس وخارجها .
{لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} فليست الصلاة ،أو مطلق العبادة حاجة لله لدى عبده ،لتكون بمثابة الرزق الذي يطلبه منه ،لأنه الغني المطلق الذي يطلب ما يطلبه من عبده من موقع الناصح الذي يريد له المصلحة .فالإنسان هو الذي يحتاج إلى الله في كل شيء ،فهو الذي يرزقه في كل ما يحتاجه من شؤون الرزق في الحياة ؛ولكن المسألة هي مسألة التقوى ،وهي العنوان الأنقى لحياة الإنسان في الدنيا ،ولمواقعه في الآخرة ،فهي التي تبقى وتستمر ،وتحقق للإنسان أفضل النتائج على مستوى قضية المصير .