{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}: مدّ العين: مدّ نظرها وإطالته إلى شيء ،وهو كناية عن التعلق به وحبه .
{زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: زينتها وبهجتها .
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} فقد يغفل القلب فيستغرق في الأجواء المحيطة به ،وقد يسرح البصر فينشغل بالزخارف والمباهج التي تمتد أمامه ،فتتحرك العينان في قلبه وفي وجهه ..لتتلهيا بما أغدقه الله على هؤلاء الطغاة أو غيرهم ،من مال وجاه وبنين وشهوات ،يؤدي إلى الانبهار بالدنيا المحيطة بهم ،والمتحركة في أوساطهم ،فيتمنى الإنسان لنفسه ما قسمه الله لغيره ،ويشعر بالحسرة إذا لم يحصل على ما حصلوا عليه ،فيندفع للاعتداء على الآخرين بهدف الحصول على ما يريد ولو بطريقة غير شرعية ،فينحرف عن الخط المستقيم ،وينزلق إلى مهاوي الدنيا ومغرياتها .ولكن الدنيا زائلة مهما كبرت واتسعت وامتدت ،لأن زخارفها زينة ليس إلاّ ،وهي لا ترفع شأناً ولا تضع وزراً ،بل هي شيء يحلو للنظر فينبهر به ،أو هي شيء يتوهّج ويشتعل ويلتهب ،ثم يخبو تدريجياً ويتحول إلى رماد .ولهذا فإن على الإنسان المؤمن ألاّ يتعلق بها إن أقبلت أو يتحسر عليها إن أدبرت ،بل أن يراها على حقيقتها كظاهرة طارئة فانية مستهلكة زائلة ،وزعها الله على عباده تبعاً لحكمته وبحسب مقادير الأشياء في الكون على كل المستويات .
{وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} بما يهيئه لك من رزق الدنيا والآخرة ،فهو الأقرب إلى صلاحك في الدنيا في ما يصلح لك فيه أمر حياتك ،وهو الأقرب إلى سعادتك في الآخرة في ما يقرر لك سعادتك في مصيرك ،فتطلع إليه ،فهو الأفضل والأبقى ،ولا تتطلع إلى غيره ،وحاول أن تشغل نفسك بمسؤوليتك في ما أوكل الله إليك أمره من مسؤوليات .
هل هذا دعوة إلى الابتعاد عن الحياة ،لتكون من آيات الزهد العملي الذي ينصرف فيه الإنسان عن مباهج الحياة وطيباتها وزخارفها ؟أو هي دعوة للتوازن في النظرة إليها ،فلا يستغرق فيها ،ولا يتحسر عليها ،لما يحقق التوازن في التعاطي معها بالمقادير المناسبة ودون مغالاة أو مبالغة ؟!.إننا نفهم من الآية المعنى الثاني الذي يريد للإنسان أن يقنع بما رزقه الله ،وألاّ يعيش الانبهار الذي يسقط روحه ،ويثقل فكره ،والله العالم .