{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} من كلماتهم اللامسؤولة التي ينفسون فيها عن غيظهم ،ويهربون فيها من إحساسهم بالعجز أمام قوة الرسالة .فليست المشكلة في ما يقولون من أضاليل ،بل المهم هو مدى تأثير هذا القول في ساحة الدعوة .وهذا ما لا يستطيعون أن يحققوا فيه شيئاً كبيراً ،لأن الحقيقة سوف تفرض نفسها على الحياة ،ولو بعد حين .ولذا فإن الصبر يمثل العامل الإيجابي في هذا المجال ،لأن هؤلاء سوف يستهلكون كل وسائلهم ويجربون كل أساليبهم ،وستتساقط بأجمعها أمام الرسالة في نهاية المطاف ،وسيدخل الجميع ،بعد ذلك ،في دين الله أفواجاً عندما ينقشع الضباب عن عيون السائرين .
التسبيح عامل قوة للإنسان
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} فإن التسبيح الذي ترفعه إلى الله تعظيماً وتنزيهاً له عن كل ما يلصقه به المشركون والكافرون ،يفتح لك آفاقاً واسعة من الشعور بالقوة المستمدة من الله العظيم المنزّه عن كل عيب ،ويجعلك تعيش الإحساس بالاحتقار لكل من عداه مهما بلغت قوته .كما أن الحمد الذي يتحرك مع التسبيح سوف يطل بك على كل صفة كمال وجلال لله سبحانه ،فينفتح لك الحق كله ،والخير كله ،والكمال كله ،والجلال كله ،بما تمثله كلمة الله من آفاق المطلق الذي لا حدود له .وهكذا يكون التسبيح بالحمد انطلاقة روحية تخفف من أثقال الجهد الشديد الذي قد يسقط الإنسان من خلاله في حالة من الإعياء أو اليأس ،ويقودهبعد ذلكإلى التراجع أو الانسحاب ،لأن اللقاء باللهوالعيش معه من خلال الذكرفي تسبيح الله وحمده ،يعطي الإنسان الشعور بتجدد القوة وتعاظمها ،وبحيوية النشاط وفعاليته ،ويدفعه إلى الامتداد تحت عناية الله ورعايته ،قبل أن يبدأ يومه ،لتكون بدايته من موقع الاستعداد ليوم عمل رسالي جديد في الدعوة وفي الجهاد ،وقبل أن يبدأ ليلته ،لينفض عنه سلبيات ما عاناه في يومه من صدمات وتحديات ،فلا تترك تأثيرها على مشاريعه في الليل ،وليخطط لنشاط روحي إسلامي في الليل بعيداً عن الانسحاق تحت تأثير الضغوط النفسية والمادية من حوله .
{وَمِنْ آنَآءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} فإذا امتد الليل ،وانفتح في أعماق الكون ،فسبح بحمد ربك لتعيش الصفاء الروحي الذي ينفذ إلى فكرك وقلبك ووجدانك من ينابيع النور الإلهي الروحاني الذي يحول الليل إلى إشراقة روحية ممتدة في كل زوايا النفس ،وجنبات العقل ،{وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} أي وسبحه في فتراته التي تتوزّع في مواقيته ،للمقابلة بين الليل والنهار ،تماماً كما هي المقابلة بين ما قبل بدايته ونهايته ،ليكون التعبير شاملاً للوقت كله في مجمله ،وفي بداياته بطريقة بلاغية .وربما استفاد البعض الإشارة في توزيع التسبيح على الأوقات ،أن المقصود بذلك هو الصلوات الخمس ،وليس ذلك واضحاً من التعبير ،بل ربما نستفيد مما يأتي من التأكيد على الصلاة ،أن الحديث عنها ليس مقصوداً هنا ،وإن كان الأمر ممكناً بلحاظ بعض الاعتبارات ،والله العالم .
{لَعَلَّكَ تَرْضَى} وتطمئن وترتاح إلى اتصالك بالمبدأ الأعلى في تسبيح وتحميد وتمجيد ومناجاة موصولة بالله ،في رعايته ولطفه ورضوانه ،ما يجعلك راضياً بكل شيء يحدث لك من حلو الحياة ومرها ،وبؤسها ونعيمها ،وسعادتها وشقائها ،لأن ذلك لا يمثل مشكلة للمؤمن ما دام يتحرك في محبة الله ورضاه .