ثمّ يوجّه الخطاب إلى النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،فيقول: ( فاصبر على ما يقولون ) ومن أجل رفع معنويات النّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتقوية قلبه ،وتسلية خاطره ،فإنّه يُؤمر بمناجاة الله والصلاة والتسبيح فيقول: ( وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار لعلّك ترضى ) ولا يتأثّر قلبك جرّاء كلامهم المؤلم .
لا شكّ أنّ هذا الحمد والتسبيح محاربة للشرك وعبادة الأصنام ،وفي الوقت نفسه صبر وتحمّل أمام أقوال المشركين السيّئة ،وكلامهم الخشن .إلاّ أنّ هناك بحثاً بين المفسّرين في أنّ المقصود من الحمد والتسبيح هل الحمد والتسبيح المطلق ،أم أنّه إشارة إلى خصوص الصلوات الخمس اليوميّة ؟فجماعة يعتقدون بأنّه يجب أن يبقى ظاهر العبارات على معناه الواسع ،ومن ذلك يستفاد أنّ المراد هو التسبيح والحمد المطلق .
في حين أنّ جماعة أُخرى ترى أنّه إشارة إلى الصلوات الخمس ،وهي على النحو التالي .
( قبل طلوع الشمس ) وهي إشارة إلى صلاة الصبح .
( وقبل غروبها ) وهي إشارة إلى صلاة العصر ،أو أنّها إشارة إلى صلاتي الظهر والعصر ،واللتان يمتدّ وقتهما إلى الغروب .
( ومن آناء الليل ) وهي إشارة إلى صلاتي المغرب والعشاء ،وكذلك صلاة الليل .
أمّا التعبير ب( أطراف النهار ) فهو إمّا إشارة إلى صلاة الظهر ،لأنّ أطراف جمع طرف ،وهو يعني الجانب ،وإذا قسّمنا اليوم نصفين ،فإنّ صلاة الظهر ستكون في أحد طرفي النصف الثّاني .
ويستفاد من بعض الرّواياتأيضاًأنّ ( أطراف النهار ) إشارة إلى الصلوات المستحبّة التي يستطيع الإنسان أن يؤدّيها في الأوقات المختلفة ،لأنّ أطراف النهار هنا قد وقعت في مقابل آناء الليل ،وهي تتضمّن كلّ ساعات اليوم .وخاصةً أنّنا إذا لاحظنا أنّ كلمة أطراف قد وردت بصيغة الجمع ،في حين أنّ لليوم طرفين لا أكثر ،فسيتّضح أنّ للأطراف معنى واسعاً يشمل ساعات اليوم المختلفة .
وهناك احتمال ثالث أيضاً ،وهو أنّه إشارة إلى الأذكار الخاصّة التي وردت في الرّوايات الإسلامية في هذه الساعات المخصوصة ،فمثلا نقرأ في حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في تفسير الآية محل البحث أنّه قال: «فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرّات وقبل غروبها عشر مرّات: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد ،يحيي ويميت ،وهو حي لا يموت ،بيده الخير ،وهو على كلّ شيء قدير » .
إلاّ أنّ هذه التفاسير لا منافاة بينها على كلّ حال ،ويمكن أن تكون الآية إشارة إلى التسبيحات ،وإلى الصلوات الواجبة والمستحبّة في الليل والنهار ،وبهذا فسوف لا يكون هناك تضادّ بين الرّوايات الواصلة في هذا الباب ،لأنّ الجملة فسّرت في بعض الرّوايات بالأذكار الخاصّة ،وفي بعضها بالصلاة .
والجدير بالذكر أنّ جملة «لعلّك ترضى » في الحقيقة نتيجة حمد الله وتسبيحه ،والصبر والتحمّل في مقابل قول اُولئك ،لأنّ هذا الحمد والتسبيح وصلوات الليل والنهار تحكم الرابطة بين الإنسان وربّه إلى درجة لا يفكّر فيها بأي شيء سواه ،فلا يخاف من الحوادث الصعبة ،ولا يخشى عدوّاً باعتماده على هذا السند والعماد القوي ،وبهذا سيملأ الهدوء والإطمئنان وجوده .
ولعلّ التعبير ب( لعلّ ) إشارة إلى ذلك المطلب الذي قلناه فيما مضى في تفسير هذه الكلمة ،وهو أنّ ( لعلّ ) عادةً إشارة إلى الشروط التي تكون لازمة لتحصيل النتيجة ،فمثلا لكي تكون الصلاة وذكر الله سبباً لحصول الإطمئنان ،يجب أن تقام مع حضور القلب وآدابها الكاملة .
ثمّ إنّ المخاطب في هذه الآية وإن كان النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،إلاّ أنّ القرائن تدلّ على أنّ هذا الحكم يتّصف بالعموم .