قال تعالى:{ وأمر أهلك بالصلاة} الأمر هو الطلب الحازم القاطع ، وأمر الأهل حيث يمكن التنفيذ ، يكون بالتنفيذ والقدوة فيعلم أولاده وأهله الصلاة ويصلي معهم ويرون فيه الأسوة الحسنة التي يتبعوها ، وقد أمره بملازمتها بقوله عز وجل:{ واصطبر عليها} الاصطبار "افتعال"من الصبر ، وهو يدل على أنه يربي نفسه على قوة احتمالها ، ورياضة النفس عليها بأدائها كاملة بخشوع وحضور ، واستحضار لجلال الله تعالى علام الغيوب ، وأنه يراه في عمله ، وإن لم يكن هو يراه .
وإن هذه التربية على العبادة التي أجل مظهر لها إقامة الصلاة فإن الصلاة عمود الدين ، ولا دين من غير صلاة ، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم{[1502]} ، ليست هذه التربية لعائدة تعود على الله تعالى ، فإن الله غني حميد ، وإنما لتكوين أسرة صالحة ، ومجتمع صالح وجيل صالح ، ولذا يقول العزيز الحكيم:{ لا نسألك رزقا نحن نرزقك} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وخطابه عليه الصلاة والسلام خطاب لأمته كلها ، وهذه الجملة تدل على أن غاية العبادة إصلاح العابدين ، ولا يعود على الله منها شيء فهو ليس بمحتاج ، والناس يحتاجون إليه ، وقد أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى بقوله:
{ نحن نرزقك} وإنما الأمر أمر إصلاحكم ، وخلاصكم من أعلاق الأرض ، ولهذا قال تعالى:{ والعاقبة للتقوى} ، أي والأمر الذي يعقب هذا الأمر بالصلاة ، والاصطبار عليها هو للتقوى المهذبة للنفوس الواقية لها من شرور إبليس وعداوته ، والتقوى صفة المتقين ، وإذا كانت العاقبة لهذه الصفة فهي عاقبة لهم بوجود مجتمع طاهر نقي