{إِلَى فِرْعَوْنَ وَملآه} أي: وقومه ،باعتبارهم الطبقة المهيمنة على الواقع كله ،والقوّة القاهرة التي تمنع المستضعفين من ممارسة حرياتهم واختيار قناعاتهم الفكرية لجهة ما يؤمنون به وما يجحدونه ويكفرون به ،فجاءت دعوتهما إلى الإيمان وإلى رفع أيديهم عن المستضعفين ،ليكون الدين كله لله ،ولتكون الحرية للمستضعفين من عباد الله ..وربما كان ذكر فرعون لما يمثله من تسلّط واستعلاء ،فكانت الدعوة موجّهة إليه أولاً ،وذلك من باب أن الصدمة لا بد من أن توجّه للسلطة العليا في بادىء الأمر ،إضعافاً لمركزها وزلزلة لمواقعها وإذهاباً لهيبتها وإفساحاً في المجال أمام الضعفاء بالتمرد عليها عند سقوط قناع العظمة الزائفة المخفية تحته نقاط الضعف ،بحيث يسقط تأثير القوّة في القلوب ،عندما تسقط مصداقيتها في الواقع .
وجاء موسى وأخوه هارون إلى هؤلاء القوم ،وأعلنا لهم الدعوة إلى الإيمان بالله الواحد ،والسير على النهج الرسالي في شريعته ،والابتعاد عن اضطهاد المستضعفين ..وكان ذلك مفاجأةً لهم ،فكيف يجرؤ هذان اللذان لا يملكان أيّة قوّة على الوقوف موقف التحدي للعظمة الفرعونية التي تقف في مصافّ الالهة ؟!{فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ} يعيشون الكبرياء والإحساس بالعلوّ على الناس ،لما يملكونه من امتيازات طبيعية وما يحتلّونه من مراكز متقدمة ،وكانت الربوبيّة التي كان يتربع عليها فرعون ويريد للناس أن يصدّقوه قمّة هذا العلوّ وهذه الكبرياء .
وشكّلت الكبرياء أساساً لرفض كلّ موقف رسالي في شكله ومضمونه ..وكان المنطق الذي يستخدمونه في الرفض منطق الطبقة العليا التي تحتقر الطبقة السفلى ،وتحتقر كل طروحاتها ،لأن من يملك شرعية مخاطبة الطبقة العليا هم الذين يقفون في المستوى نفسه من السلّم الاجتماعي .