وتبدأ حركة القصة في السورة في قصص الأنبياء ،في ما بلغوه من رسالاتهم ،وما عانوه من أممهم ،وما عاشوه من مشاكل ذلك كله ،لتكون درساً للعاملين في سبيل الله من خلال تجربة النبوّة في حركة الدعوة وفي مواجهة التحديات ،ولتؤكد للمعاندين قدرة الله على إنزال العذاب بهم في الدنيا ،كما أنزل على غيرهم من الأمم السابقة لولا مشيئته في تأخير ذلك لحكمة يعلمهاسبحانه.
وتقفبدايةًقصة موسى في الواجهة ،في تفصيل وافٍ يرصد مفرداتها بشكل دقيق ليوحي بالمواقف من مواقع العبرة الحيّة الفاعلة .
{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الذين ظلموا الناس وعاثوا في الأرض فساداً .وقد انطلق النداء ليؤكد على حقيقةٍ دينيّةٍ حاسمة في موقف الدين من الظلم والظالمين ،وهي أن الرسالة تتحرك في إرادة الله لإِرسال رسولٍ ،على أساس وجود ظلم ضاغطٍ على حرية الناس وحياتهم ،ما يفرض مواجهة الموقف برسالةٍ كاملةٍ شاملةٍ تنطلق في حركتها من قاعدة التوحيد لله الذي يوحد الألوهية في ذاته ،ويحصر العبادة به ،ويرفض عبادة غيره ،مهما كانت منزلته ودرجته ،ليكون التحدي للظلم والظالمين من خلال القاعدة ،لا من خلال الحالة الطارئة ،ما يجعل الموقف أكثر قوّةً ،وأشد صلابةً ،لأن انطلاق التحدي من الجذور يختلف عن انطلاقه من السطح ،وهكذا أراد الله لنبيه موسى أن يتوجه إلى موقع السلطة الأقوى في ساحات الظالمين