{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} فهو الخالق الذي يملك أمر الخلق وخصوصياته ،في ملامحه الذاتية ،وفي حركته العملية ،وفي كل ما يحيط به من أجواء ،وما يتخذه من أوضاع ،وهو الذي يقدِّر الأمر كله في كل ما يتعلق بالناس .وهذه هي الحقيقة الإيمانية التي لا بد لهم من إدراكها في موقعهم من الله ،فهم مشدودون في وجودهم إلى إرادته ،كما هم مشدودون إليه ومرتبطون به في تفاصيل الوجود وامتداده{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} لأنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً ،فلا بد لهم من الانقياد إليه ،والاتكال عليه ،وتحريك إرادتهم في خط إرادته ،لأنهم لا يملكون حرية التصرف بعيداً عن دائرة التشريع الإلهي ،في ما كلَّفهم به ،كما لا يملكون القدرة على التحرك بعيداً عن دائرة الإرادة الإلهية في حركة التكوين لينسجم الإنسان في ما يعتمد عليه نظام حياته العملي مع ما يعتمد عليه في وجوده الواقعي .
ولعل الغفلة عن هذه الحقيقة الإيمانية في موقع الإنسان من ربه ،الذي يحدد موقفه منه ،هي التي تدفعه إلى الانحراف ،وتقوده إلى التمرد على الله سبحانه ،والبعد عن طاعته والتحرك في دوائر الشرك ،من خلال ما يشاهدونه من عظمة غيره ،أو مما يتخيَّلونه له ،وما يغفلون عنه من عظمة الله المطلقة التي تستمد الأشياء عظمتها منه ،{سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فلا عظمة لأحد أمام عظمته ،ولا قيمة له أمام قدرته ،