{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ} في ما يفرضه الزمن من حدود الأشياء التي تحتاج إليه في وجودها التدريجي المترتب على علاقة بعضها ببعض ،لا في ما يتصل بقدرة الله الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون .
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} والاستواء يمثل المعنى الكنائي في السيطرة على الكون والإحاطة به من موقع العلوّ والقدرة على تدبيره وتنظيمه ،أما كلمة العرش فتختزن معنى الحكم الذي يتصل بالتدبير الشامل لما تحت سلطانه .
معنى الاستواء على العرش
وربما كان في الحديث عن الاستواء على العرش إشارةٌ إلى استناد التدبير إلى الله في مقابل الفكرة التي كان يعتقدها المشركون أن الله هو الخالق للعالم ،ولكنه أوكل أمر تدبيره إلى آلهتهم المزعومة ،فكان من الضروري أن يتحدث القرآن عن الله من موقع الخلق والتدبير معاً ،لتكتمل الصورة في العقيدة بالله من جميع الجهات .
{مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُون} أي ليس لكم ولي في ما تدعونه ،أو ممن تدعونه من الأولياء الذين يشرفون عليكم ويدبرون أموركم ،كما ليس لكم شفعاء تتخذونهم وسطاء لموقع الوجاهة الذي لهم عند الآخرين ،ما يجعلهم في موقع القادر على إيصال الأمور إلى درجة التحقق والإنجاز ،وذلك عندما يحتاج الإنسان إلى مثل هذا ،في ما تقتضيه طبيعة القضايا المرتبطة بإرادة الآخرين .فالله سبحانه وتعالى هو المستقل بتدبير الكون وتنظيم أموركم ،وهو الذي يحسم كل ما يتعلق بشؤونكم وشؤون حياتكم وحياة كل مخلوقاته من دون أيّة مدخليةٍ لأحد في شيءٍ من ذلك ،فلا سبب بينه وبين هذه الأمور مجتمعة إلا ما شاء وأراد .
شفاعة الله
وقد اختلف المفسرون في إطلاق كلمة الشفيع على الله سبحانه ،لأن هذه الكلمة تعني الوساطة لدى الغير مما لا يتصور له أيّ معنى في الله ،ولكن التأمّل في الآية يوحي بأن المقصود هو نفي علاقة أيّ جهة بإرادته بنفي صفة الولاية والشفاعة عن الآلهة المدّعاة من قِبلهم ،وليس المقصود الحديث عن صفة الله في الولاية والشفاعة في هذا المجال ،ما يجعل التأكيد على أن لا يكون مَنْ دونه ولياً وشفيعاً ،منطلقاً من مناقشة الفكرة الشركية لا لتقرير الصفة التوحيدية في ذلك ؛والله العالم .