{فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}: أي إلى أجل مسمّى ،وربما يستشعر البعض من هذه الفقرة من الآية ،الإشارة إلى ما ورد في سورة يونس في قوله تعالى:{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَياةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [ يونس: 98] .
وعلى ضوء ذلك استفاد «صاحب الميزان » من سياق الكلام «أن المراد من إرساله في قوله:{وَأَرْسَلْنَاهُ} أمره بالذهاب ثانياً إلى القوم ،وبإيمانهم في قوله:{فَآمَنُوا ...} إيمانهم بتصديقه واتباعه بعدما آمنوا وتابوا حين رأوا العذاب » .
وقد نلاحظ على ذلك أنه لم يرد في كل الآيات المتعرضة لقصة يونس أنه كان مرسلاً إلى قومه قبل التقام الحوت إياه ،لنستفيد من الآية المذكورة أنه أرسل إليهم ثانياً ،هذا بالإضافة إلى أن الظاهر من إيمانهم هو الإيمان بالله ،مما لا يتناسب مع ما تذكره قصته من إيمانهم بعد خروجه منهم مغاضباً .
وقد يكون الحديث عن إيمانهم وكشف العذاب عنهم ،باعتبار أنَّ ذلك يمثل ظاهرةً مميّزةً في أمم الرسل الذين تحدث عنهم القرآن في رفضهم لرسالة رسلهم ،وليس من الضروريّ أن يكون المراد بكشف العذاب عنهم هو رفعه بعد نزوله ،بل يكفي في ذلك استحقاقه لهم قبل إيمانهم عندما كانوا كافرين .ومهما كان ،فإن هذه الأمور ليست دخيلةً في الفكرة التي أراد القرآن أن يثيرها ،وهي قصة البلاء الذي نزل به ،ونعمة الله عليه في رفعه عنه بعد استغاثته به ،في جوّ غريبٍ عن المألوف عكسه استمرار حياته في بطن الحوت ،مع عدم وجود أيّة فرصةٍ للحياة هناك ،ما يجعل القضية في حجم المعجزة ،الأمر الذي يدل على كرامة الله له ،وهذا يوحي به الحديث عنه ،بأنه كان من المؤمنين الصالحين ،ثم الحديث عن قومه في إيمانهم بالله ،مما يُعتبر ظاهرة في مسألة الرسالات القديمة .