{فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} فهي التي تتلو ذكر الله أو ذكر ما أنزله من الآيات ،وقد اختلف المفسرون في مصداقها ،فقيل: هم الملائكة يتلون الوحي على النبي الموحى إليه ،وقيل: جماعة قراء القرآن يتلونه في الصلاة .
والظاهر أن هذه التفسيرات لا ترجع إلى أثر شرعيٍّ ثابت بحيث يكون حجّةً في مصدره ،بل هي من نوع الاجتهادات والاحتمالات الذاتية على سبيل الاستحسان .
وقد احتمل صاحب الميزان ،«أن يكون المراد بالطوائف الثلاث المذكورة في الآيات طوائف الملائكة النازلين بالوحي ،المأمورين بتأمين الطريق ودفع الشياطين عن المداخلة فيه ،وإيصاله إلى النبي مطلقاً ،أو خصوص محمد( ص ) كما يستفاد من قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [ الجن:2628] .
وعليه ،فالمعنى: أقسم بالملائكة الذين يصفون في طريق الوحي صفاً ،فبالذين يزجرون الشياطين ويمنعونهم عن المداخلة في الوحي ،فبالذين يتلون على النبي الذكر ،وهو مطلق الوحي أو خصوص القرآن كما يؤيده التعبير عنه بتلاوة الذكر .
ويؤيد ما ذكرنا وقوع حديث رمي الشياطين بالشهب بعد هذه الآيات ،وكذا قوله بعد:{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} الآية ،كما سنشير إليه ...» .
ثم يضيف إلى ذلك قوله: «ولا ضير في التعبير عن الملائكة بلفظ الإناث: الصافات والزاجرات والتاليات لأن موصوفها الجماعة ،والتأنيث لفظي »[ 1] .
وفي هذا الاحتمال نوع خفاء ،لأن ما استشهد به من الآية لا يتعلق بالرسالة ،بل بالغيب الذي قد يطلع رسله عليه ،وربما كان المراد به الرسول البشريّ الذي يراد له أن يبلغ رسالاته كما يجب ،والله العالم .