/م1
و «التاليات » من ( التلاوة ) وهي جمع كلمة ( تال ) وتعني طوائف مهمّتها تلاوة شيء ما{[3737]} .
ونظراً لكثرة واتساع مفاهيم هذه الألفاظ ،فليس من العجب أن يطرح المفسّرون تفاسير مختلفة لها دون أن يناقض بعضها الآخر ،بل من الممكن أيضاً أن تجتمع لتوضيح مفهوم هذه الآيات ،فمثلا المقصود من كلمة «الصافات » هو صفوف الملائكة المستعدّة لتنفيذ الأوامر الإلهيّة في عالم الخلق ،أو الملائكة النازلون بالوحي إلى الأنبياء في عالم التشريع ،وكذلك صفوف المقاتلين والمجاهدين في سبيل الله ،أو صفوف المصلّين والعباد .
رغم أنّ القرائن تشير إلى أنّ المراد من كلمة «الصافات » هو الملائكة ،إضافةً إلى أنّ بعض الروايات قد أشارت إلى ذلك المعنى{[3738]} .
وليس هناك أي مانع من أن تشمل كلمة «الزاجرات » الملائكة الذين يطردون وساوس الشياطين من قلوب بني آدم ،والإنسان الذي يؤدّي واجب النهي عن المنكر .
و «التاليات » إشارة إلى كلّ الملائكة والجماعات المؤمنة التي تتلو آيات الله ،وتلهج بذكره تبارك وتعالى على الدوام .
هنا يطرح هذا السؤال: ظاهر هذه الآياتوبمقتضى وجود العطف بحرف ( الفاء ) بين الجمل الثلاثيبيّن أنّ الطوائف الثلاث جاءت الواحدة بعد الأخرى ،فهل أنّ هذا الترتيب جاء بحكم الواجب المترتّب على كلّ طائفة ؟أم كلّ حسب مقامه ؟أم لكلا الأمرين ؟
من الواضح أنّ الاصطفاف والاستعداد قد جاءا كمرحلة أولى ،ثمّ جاءتكمرحلة ثانيةعملية إزالة العراقيل من الطريق .أمّا إعلان الأوامر وتنفيذها فقد كانت بمثابة المرحلة الثالثة .
ومن جهة أخرى فإنّ المستعدّين لتنفيذ الأوامر الإلهيّة لهم مرتبة ،والذين يزيلون العراقيل لهم مرتبة أعلى ،أمّا الذين يتلون الأوامر وينفّذونها فلهم مرتبة أسمى من الجميع .
على أيّة حال فإنّ قسم الله سبحانه وتعالى بتلك الطوائف يوضّح عظم منزلتهم عند الباري عز وجل ،ويشير إلى حقيقة مفادها أنّ سالكي طريق الحقّ عليهم للوصول إلى غايتهم أن يجتازوا تلك المراحل الثلاث والتي تبدأ بتنظيم الصفوف ووقوف كلّ مجموعة في الصفّ المخصّص لها ،ومن ثمّ العمل على إزالة العراقيل من الطريق ،ورفع الموانع بالصوت العالي ،الصوت الذي يتناسب مع مفهوم الزجر ،ومن بعد تلاوة الآيات الإلهيّة والأوامر الربّانية على القلوب المتهيّئة لتنفيذ مضامين تلك الأوامر .
فالمجاهدون السالكون لطريق الحقّ ليس أمامهم من سبيل سوى اجتياز تلك المراحل الثلاث ،وبنفس الصورة على العلماء العاملين أن يستوحوا في جهودهم الجماعية ذلك البرنامج .
وممّا يذكر أنّ بعض المفسّرين فسّروا الآيات على أنّها تعود على المجاهدين ،والبعض الآخر أكّد عودتها على العلماء ،ولكن حصر مفهوم الآيات بالمجاهدين والعلماء فقط مستبعد بعض الشيء ،وإن أعطيت الآيات طابعاً عامّاً فإنّها ستكون أقرب للواقع ،وإذا اعتبرناها تخصّ الملائكة فإنّ الآخرين يمكنهم تنظيم حياتهم وفق مناهج الملائكة .
أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) عندما يصف بخطبته في نهج البلاغة الملائكة ،فإنّه يقسّمهم إلى مجموعات مختلفة ،ويقول: «وصافون لا يتزايلون ،ومسبّحونلا يسأمون ،لا يغشاهم نوم العيون ،ولا سهو العقول ،ولا فترة الأبدان ،ولا غفلة النسيان ،ومنهم اُمناء على وحيه ،وألسنة إلى رسله »{[3739]} .
/خ3