{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ}: فأعطيناه القوّة الثابتة التي تثبّت له قواعده وتمنعه من الاهتزاز بكل الوسائل التي يحتاجها من المال والرجال ونحو ذلك .
{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} التي تتمثل في وعي الأشياء بقدر ما تحتاجه ،ما يتطلب دراسة كل العناصر المتعلقة بها ،وتحريك الواقع العملي ،مما يعبر عنه بوضع الشيء في محله ،وقد قيل إن كلمة الحكمة مشتقة من إحكام الأمور وتقويتها .
وقد نلاحظ في التأكيد الكبير على عنصر الحكمة في الكتاب وفي الرسالة والرسول ،أن هذا المبدأ يمثل الأساس في حركة المسؤولية في الحياة ،بحيث لا تتحرك مواقعها إلا في الدائرة التي يملك فيها الإنسان أو الخط وعي الفكرة المنطلقة منها ،والحركة السائرة في طريقها ،فلا يكفي في خط المسؤولية في الشخص والمنهج أن يكون هناك علم في مستوى الحاجة ،بل لا بد من أن يتوفر إلى جانب ذلك وعيٌ دقيق للخطوط العملية التي تحرك ذلك في الاتجاه السليم .
وهذا هو المبدأ الذي ينبغي لنا ملاحظته في كل مواقع القيادة للأمة التي يؤكد البعض فيها على جانب التفوّق العلمي ،دون التركيز على التفوق أو الكفاءة في الجانب الإداري ،وهذا ما يجعل الساحة فارغةً من العنصر القيادي الحركي ،أو خاضعةً للأسلوب القلق المرتبك في هذا المجال .
{وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أي: القول الحاسم الذي يستطيع ،من خلال الفكرة الواضحة القويّة ،أن يوضِّح الأمور ،ويحدّد المعنى ،ويتقن التعبير عنه إلى أقصى الغايات ،ويدخل فيه العلم بالقضاء بين المتخاصمين في خصوماتهم على أساس العدل .
وهكذا كان داود من الشخصيات التقيّة الخاشعة لله ،المسبّحة له ،القويّة في مواقع السلطة ،الحكيمة في مواقع القرار والحركة العملية ،الفاصلة في ساحة الخلاف .