{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} ذلك هو الحدث الكبير الذي أخبر الله به ملائكته ،وتنبع أهميته من اتصاله بالدور الكبير الذي حدّده لهذا المخلوق ،وبالطاقات التي أودعها في عقله وإرادته وحركته وانفتاحه على الكون كله ،عدا عن أن للإنسان قدرة للانفتاح على أكثر من أفق وصعيد في الحياة .ولم يكن الله قد حدّثهم عن مخلوق آخر ،في ما يوحي به القرآن الذي ركّز على هذا الحديث في الحوار البارز الذي دار بين الله وملائكته .
وقد حدّثهم الله عن عنصره الأرضيّ الطينيّ الذي يتحوّل إلى طاقةٍ حيّةٍ عاقلةٍ متحركةٍ واعيةٍ ،بفعل الروح التي أودعها الله في عمق السرّ الكامن في الطين ،فدبّت في كل ذرةٍ من كل حبةٍ ترابٍ حياةٌ تنمو وتتحرك وتعطي الحياة معنىً في الفكر والحركة واللقاء من جديدٍ بالروح الإلهي على الصعيد الإيماني والعبادي .
ومن خلال ذلك المعنى الذي يمتزج فيه الروح بالتراب ليصنع إنساناً يملك قابلية الذوبان في الله بفعل العقيدة الخاشعة المنفتحة على كل عوالم الروح في الكون ،أراد للملائكة أن تسجد له لا في دائرة العبادة لهذا المخلوق ،ولكن في آفاق التحية له ،والتعظيم لروعة الإبداع في خلقه ،خشوعاً لله وخضوعاً وعبادة له ،