/ت92
أما قتل العمد ،فلم تتعرض الآية إلى نتائجه على مستوى الجزاء الدنيوي ،لأن ذلك مما تحدث عنه القرآن في سورة البقرة ؛بل تعرضت إلى الجزاء الآخروي ،{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} إذ ذاك من الكبائر التي يستحق عليها الخلود في النار ،لأن تعمّد قتل المؤمن يدل على نفسية خبيثة حاقدة ،لا تحترم الحياة ولا تحترم الإيمان .وقد وردت في السنَّة أحاديث تدل على أن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة سبعين مرة ،مما يوحي بالفكرة التي قدمناها في بداية الحديث بأنَّ قيمة حياة المؤمن عند الله في المستوى الكبير من الأهمية والاحترام .
ولكن ذلك لا يمنع من قبول توبة القاتل إذا تاب لله وندم على فعله ،مع الاحتفاظ بحق أولياء الدم في القصاص أو الدية ،فإن الله يغفر الذنوب جميعاً ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء ويقبل التوبة عن عباده ،حتى أن الشرك يمكن أن يغفرْه الله لمن تاب عنه ودخل في الإسلام .
أما قضية الحديث عن الخلود في النار للقاتل ،فإنها تتصل بالاستحقاق كأية معصية كبيرة ،ولا تتصل بالفعلية ،كأيّ ذنبٍ من الذنوب التي يستحق الإنسان عليها العقاب ،ولكن يمكن للعفو الإلهي أن ينال المذنبين إذا تابوا وإذا انفتحت عليهم رحمة الله .وعلى ضوء هذا ،فلا بد من تأويل الروايات الدالة على أنه «لا توبة لقاتل المؤمن إلا إذا قتله في حال الشرك ثم أسلم وتاب » كما عن ابن عباسبحملها على عدم سقوط القصاص بتوبته ،باعتبار أن ذلك يدخل في حقوق الناس لا في حق الله المجرد ،مما يجعل القضية خاضعةً لموقف أولياء الدم ،وربما تحمل هذه الروايات على سلوك سبيل التغليظ في القتل ،كما روي عن سفيان الثوري أنّه سئل عن توبة القاتل ،فقال: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له ،وإذا ابتلي الرّجل قالوا له: تب .وروى الواحدي بإسناده مرفوعاً إلى عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله: أَلِقاتل المؤمن توبة ؟فقال: لا .وسأله آخر: أَلِقاتل المؤمن توبة ؟فقال: نعم .فقيل له في ذلك ،فقال: جاءني ذلك ولم يكن قتل ،فقلت: لا توبة لك لكي لا يقتل ،وجاءني هذا وقد قتل ،فقد قلت: لك توبة لكي لا يلقي نفسه بيده إلى التهلكة .وقد نقل صاحب مجمع البيان عن بعض الإمامية أن قاتل المؤمن لا يوفق للتوبة ،بمعنى أنه لا يختار التوبة .ونلاحظ عليه أنّ هذا خلاف الواقع ،لأننا نعرف الكثيرين من القتلة تابوا توبة نصوحاً ،وندموا على ذلك .