وهكذا يريد القرآن أن يحدّد للإنسان أسس المعرفة ،من الحضور الحسي ،أمام الأشياء أو المصادر الإلهية ،أو المعادلات العقلية القطعية ..ولكن هؤلاء الكافرين أو المشركين لا يرجعون إلى شيءٍ من ذلك{بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ آباءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي على طريقةٍ معينةٍ في التفكير والعبادة{وَإِنَّا عَلَى آثارِهِم مُّهْتَدُونَ} فهذا هو السبيل الذي نقتفيه للوصول إلى الحقيقة ،فنهجنا امتدادٌ لنهجهم ،لأن ذلك هو الامتداد التاريخي للعائلة أو العشيرة ،في ما يلتزم الأبناء بعقائد الاباء وعاداتهم وتقاليدهم من موقع الثقة والإِخلاص والانتماء .
وهذا هو المنهج الذي يمنع التغيير والتطور والتصحيح لأخطاء الماضي ،عندما يتحوّل التاريخ إلى حالةٍ فكريةٍ أو روحيةٍ أو عمليةٍ مقدّسةٍ لا تسمح بأيّ نقاشٍ حول المضمون الفكري أو الروحي أو العملي الذي تلتزمه ..وقد أكّده المترفون الذين يقفون أمام عملية التغيير الاجتماعي أو الفكري أو السياسي التي قد تلغي امتيازاتهم نتيجة ما تحدثه الأفكار الجديدة من إعادة نظر في كثيرٍ من المفاهيم المألوفة أو المتوارثة بعد عرضها على ميزان الفكر والواقع ،المراد تطويره أو تغييره ،لينطلق الجيل الجديد بعقليةٍ جديدةٍ ونهج جديد .
وعلى ضوء ذلك كان الجمود هو الطابع الذي يعمل المترفون الطغاة على إحكام سيطرته على الفكر الإِنساني ،بإعطاء فكر الآباء والتاريخ قداسة ،تسلط سيفاً على مطلب الحرية الفكرية في كل القضايا التي يمكن أن يدور فيها الخلاف ،في ساحات الحوار ..