{وَكَذَلِكَ ما أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ} يطلق الصرخة الفكرية والروحية التي تهز جمود الإنسان في فكره ومنهجه ،وخطّه العبادي ،وحركته الاجتماعية والسياسية ،وتوجّه الناس إلى المستقبل المشرق الواعي المنفتح على الله ،ليناقشوا كل مرتكزاتهم وموروثاتهم ،على ضوء رسالات الأنبياء التي تريد لهم أن يؤسسوا فكر التوحيد في العقيدة والعبادة ،انطلاقاً من النتائج السلبية التي تتأتى عن الفكر المضادّ .
{إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} الذين يملكون قرار الضغط على الحريات ليحددوا للناس خط السير الذي يتحركون فيه ،{إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثارِهِم مُّقْتَدُونَ} فهم القدوة التي لن ننفصل عنها في كل ما نريد أن نأخذ أو ندع ،لأن ذلك يُحقق لنا الثبات في مواقعنا العائلية ،وقيمنا التاريخية .وهو أسلوب انفعاليٌّ عاطفيٌّ هدفه خلق أجواء الإِثارة وتحريكها ،وهو منطق يعتمده المترفون في مواجهة الفكر لتأكيد التقليد ،والمحافظة على مواقعهم في الشهوات واللذات والامتيازات غير العادلة ..أمّا منطق الرسالة التي يحملها الأنبياء فهو منطق يوجه الفكر إلى الفصل بين الجانب العاطفي الذي يربط الأبناء بآبائهم والجانب العقلي الذي يقوِّم المضمون العقيدي الذي يلتزمونه ،فالفكر لا يرتبط بالذات وأحاسيسها ،بل بالحقيقة الموضوعية التي يصل إليها العقل عبر إقامة معادلةٍ عقليةٍ تتحرك في أجواء الفكر وفي ساحات الحوار ،للوصول إلى النتائج التي تكشف للناس أحد السبيلين ،وأقوى الفكرين ..وهذا ما عبرت عنه الآية التالية:{قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءكُمْ}