{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} باللغة التي تتكلمون بها وتفهمونها ،فلا يبقى أمامكم إلا أن تفكروا بمضمونه لتعرفوا حقائق العقيدة والحياة ،ولتصلوا ،بذلك ،إلى القناعات الرسالية ،فلا يكون لكم حجةٌ في ما تنكرون ،أو في ما تنحرفون وتجادلون ،{لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فإن الله قد جعله لكم وسيلةً للرجوع إلى العقل في التفكير والحوار ،وللوقوف عند قواعد العقل وموازينه .
وقد ذكر صاحب الميزان في تفسير ذلك معنىً آخر فقال:{لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} «غاية الجعل وغرضه ،وجعل رجاء تعقله غاية للجعل المذكور ،يشهد بأن له مرحلةً من الكينونة والوجود لا ينالها عقول الناس ،ومن شأن العقل أن ينال كل أمرٍ فكريّ ،وإن بلغ من اللطافة والدقة ما بلغ ،فمفاد الآية: أن الكتاب بحسب موطنه الذي له في نفسه أمرٌ وراء الفكر أجنبيٌ عن العقول البشرية ،وإنما جعله الله قرآناً عربياً وألبسه هذا اللباس رجاء أن تستأنس به عقول الناس فيعقلوه ،والرجاء في كلامه تعالى قائم بالمقام أو المخاطب دون المتكلم كما تقدم غير مرة »[ 1] .
ولكن التأمّل في هذه الآية لا يدل على ما ذكره ،بل الظاهر منها أن الله قد أنزله كتاباً عربياً بلغتكم لتفهموه وتعقلوه ،كما يفهم أهل كل لغةٍ الكلام النازل عليهم بهذه اللغة ،باعتبار وضوح اللغة الذي يمنح الإنسان وضوحاً في المطلب ،والله العالم .