{وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ} الذي أراد أن يفتح عقولهم على التوحيد ،قابلوه بالكلمات اللاّمسؤولة التي لا تحمل أيّ معنىً معقولٍ في دراسة الحق الذي جاءهم ،وموقع الرسول في رسالته وفي ذاته ،{قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ} لأنه يجذب الناس إليه بطريقةٍ لا شعوريةٍ ،كما يحدث لهم عندما يواجهون تهاويل السحر في مواقع أخرى ،ولكن ذلك كلامٌ لا معنى له ،لأن للسحر قواعده وأشكاله التي لا تنسجم مع القرآن الذي يدخل إلى العقول ليدفعها إلى التفكير والتأمل ،تماماً كما هي القضايا الفكرية التي تفرض نفسها على الناس كقناعات يتبنونها بعد تفكير واعً فيها ..غير أن غايتهم كانت إيجاد كلمة مثيرةٍ ،لإبطال تأثير الرسالة على تفكير الناس ،باعتبارها وحياً إلهياً ،ليوجّهوهم إلى عناوين أخرى لا تملك من القداسة ما تملكه النبوّة في وجدانهم .فكانت كلمة السحر إحدى هذه الكلمات التي أطلقوها بطريقةٍ انفعاليةٍ من دون أن يفسحوا المجال للدخول في نقاشٍ حولها ،كما تفعل الدول المستكبرة في عصرنا الحاضر ،فهي تحرّك الكلمات المثيرة ضد بعض التيارات الإسلامية أو السياسية المضادة لسياستها ،لتشوّه صورتها في نظر الرأي العام العالمي ،مثل نعوت التطرف والتعصب والإِرهاب ونحوها ،التي لا يرتاح الناس إلى إيحاءاتها السلبية ،ولكنهم لا يناقشون ،ولا يدخلون في حوار حول تلك النعوت مع الجهات المقصودة بها ،لأن اهتماماتهم الخاصة تمنعهم من ذلك ،وتبقيهم في دائرة الاستهلاك السريع للفكرة أو للخبر الذي تقدمه ،في نطاق السياسة الإعلامية .
وقد يحتاج العاملون إلى مواجهة ذلك كله ،بالموقف الواعي القوي الذي يعتبر الإِعلام أداةً من أدوات الصراع ضد الإسلام وأهله ،ليدرسوا الظروف السياسية العامة التي تحدد وسائل الردّ بطريقة تكفل احتواء السلبيات في هذا المجال ،وردّ الحرب الإعلامية بحربٍ مماثلة متحركةٍ في كل الساحات الفكرية والعملية بوعيٍ واتّزان ،على نهج الأسلوب القرآني الذي واجه المسألة بدقةٍ وحكمةٍ .