{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فهذه هي طبيعتها الذاتية بالنسبة لمن يستغرقون فيها ليأخذوا من شهواتها ولذاتها ،ويستسلمون للاسترخاء الذاتي دون تفكير مسؤول بالحاضر والمستقبل ،فلا معنى لهذه الحياة إذا لم ترتبط مفرداتها بغاية كبيرة كالحصول على رضى الله ،الذي يعطي كل عمل بعداً روحياً ورسالياً ،ويجعل الإنسان في دائرة رحمة الله ،حتى أن اللعب واللهو يفقدان معناهما العبثي عندما يرتبطان بالمعنى الشامل للحياة في خط الرسالة ،لأنهما يكونان عندها استغلالاً للفراغ من أجل تجديد الحيويّة والنشاط للاستمرار في العمل .
إن الجانب المادي في الحياة لا يمثل اللذّة إلا في حجم اللحظة السريعة الزائلة ،دون أن يترك أي أثر على عمق الحياة بمعناها الإنساني ،ولكنه إذا امتزج بالروح التي تردّ الأشياء كلها إلى ساحة الله ،بحيث يكون الله هو محرّك حياة الإنسان ،كما خلق له حياته ،فإن اللذة فيها تأخذ بعداً روحياً واسعاً في حجم الحياة كلها ،لأنها تنزل إلى أعماق الإنسان ،فتملأها بالصفاء والطهارة والفرح الكبير الذي لا يشكو من عقدة حزن ،وتمتد إلى المستقبل لتحدّثه عن مواقع رضى الله ،وآفاق رحمته في الدنيا والآخرة .
{وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ} وتجعلوا كل أعمالكم وأوضاعكم خاضعة لله وتسيروا على هداه في ذلك كله ،دون اهتزازٍ أو انحرافٍ ،{يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} التي جعلها لكم ثواباً لأعمالكم من دون نقصان ،{وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ} في مقابل ذلك ،لأن الله لا يحتاج إليها ،ولأن عطاء الله لا يقف عند حدّ ولا ينطلق من عملية تبادل ،فلا تخافوا على أموالكم من النقصان عند الالتزام بالرسالة ،فإن الله يمنحكم زيادة فيها من مواقع الحلال ،في ما يدلكم عليه من أسباب الزيادة .