{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} في محاولةٍ للإيحاء بأن الرسالة شأن خاص متعلق بذات الرسول ،ما يجعل من الانتماء إلى الإسلام ،انتماءً إليه ،وتقويةً له ،الأمر الذي يجعل المنتمي يمنّ على الرسول باعتبار أن ذلك يمثل خدمة شخصيةً له ،كما هي حال الذهنية القبليّة التي ترى في الارتباط برئيس القبيلة معروفاً يقدّم إليه ،ويُطلب العوض منه على أساسه .
ولكن الله يرد على هذا المنطق ليعرِّفهم بأن الرسالة ليست مسألة خاصة بالرسول ،لأن دوره فيها هو دور التبليغ في ساحته الرسولية ،بل هي أن الإسلام دين الله الذي أنزله على عباده ليصلح أمرهم ،وليدفعهم إلى الإيمان كحاجةٍ حيويّةٍ لتحريك وجودهم نحو الخط المستقيم الذي يرفع مستواهم ،ويعمِّق إحساسهم بإنسانيتهم ،وينقذهم من نقاط ضعفهم ،ويعطيهم القوّة ،ويخرجهم من الظلمات إلى النور ،ويبعدهم عن الزوايا الضيقة التي تحبسهم في نطاق أنانياتهم الذاتية أو العائلية ،لينطلق بهم في ساحات الإنسانية الواسعة ،ليكونوا جزءاً من الأمّة الحاملة للرسالة التي تتسع للحياة كلها وللإنسان كله ،فيتسع دورهم ،وتمتد ساحاتهم ،ليعيشوا الطمأنينة والسكينة في ظلال الرسالة المنفتحة على الله ،فلا يبقى هناك مجال للحيرة والقلق والضياع والشعور بالعبثية الوجودية الذي يثيره حديث البعض عن تفاهة الحياة وعلاقتها باللاّمعقول ،لأن الإنسان المؤمن يرى الحياة حركةً مسؤولة في سياق دوره الإنساني المرتكز على خلافته لله سبحانه ،الأمر الذي يفتح له آفاقاً واسعةً سعة نظرته إلى الحياة ،ويمد بأحلامه لتتصل بالأفق الواسع السابح في بحار النور ،الذي يطل على رضوان الله المتجلي بالجنة التي أعدّها الله للمؤمنين الصادقين .
وهكذا تكون المنّة لله عليهم في هدايتهم للإيمان في مواقع الرسالة بدلاً من أن تكون لهم المنّة على الرسول في ذلك ،وهذا هو قول الله سبحانه:{قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلأيمانِ إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ} في إعلانكم بالتزام الإيمان كخطَ عمليَ في الحياة .