{وَهَذَا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} وهو الطريق الذي يضج بالحياة ،ويتفايض بالنور ،وينطلق بالإيمان الذي تلتقي فيه نقطة النهاية بنقطة البداية ،في خطٍّ واحدٍ ،لا التواء فيه ولا انحراف ،بل هي الاستقامة السائرة أبداً في الفكر والشعور والضمير والعلاقات ،ولن يحتاج الإنسان الذي يسير فيه إلى أيّ شيءٍ آخر مما يفكر به الآخرون ،أو يثيرونه أو يشرّعونه ،لأن الله قد بيَّن للمؤمنين كل المفردات التفصيلية لكل ما يحتاجون إليه من شؤون الإنسان العامة والخاصة .
{قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} فالمهمّ أن لا يعيش الإنسان الغفلة التي تنسيه عقيدته ومفاهيمه وشريعته ،وتوحي له بالحاجة إلى عقيدة الضلال ومفاهيمه وأحكامه ،لأن الحقيقة بحاجة إلى من يتذكرها ويعيها من أجل أن يعيش معها ،وينتفع بها ،وينمو ويتطور في حياته من خلالها .ولهذا كانت الدعوة الدائمة للأنبياء ،وكان النداء لهم من الله أن يذكّروا الناس ،لأن الذكرى تنفع المؤمنين ،الذين قد يغفلون فينحرفون ،ولكنهم يتذكرون فيستقيمون ،كما قال الله عن المتقين:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [ الأعراف:201] وهذا ما ينبغي للدعاة إلى الله أن يمارسوه ،من أجل إخراج المؤمنين من حالة الغفلة التي قد تعيش في حياتهم ،فتبعدهم عن الشعور بالانتماء الحقيقيّ إلى الإسلام ،فيستطيع الآخرون حينها أن يُدخلوا إلى أفكارهم أفكاراً بعيدة عن الإسلام ،ولكن الذكرى المستمرة هي التي تعطّل هذا الاتجاه المنحرف وتبطل مفعوله ..