{يا أيّهَا الَّذِينَ كَفَرُواْ} من موقع العقدة الذاتية الاستكبارية أو المتخلفة التي منعتكم عن الانفتاح على الإيمان بالله ورسله ،لتفكروا ولتحاوروا ولتصلوا إلى النتائج الحاسمة في مسألة الإيمان والكفر ،على قاعدةٍ من الوعي الفكري ،فابتعدتم عن الجدّية ،واستغرقتم في السلبية العبثية المتحركة في أجواء اللاّمبالاة ،فكفرتم تحت تأثير العادة والتقليد للماضي والخوف من التغيير ،حتى واجهتم الموقف الحق في هذا اليوم ،وهو يوم القيامة الذي تقفون فيه اليوم ،كما يقف كل الناس ،ليقدم كل إنسان دفاعه عن موقفه ،وحجته على كل تاريخه الفكري والعملي ،ليجادل عن نفسه ،وليواجه الحساب في ذلك كله على أساس الدقّة المتناهية في كل المفردات الصغيرة والكبيرة .
وها أنتم تقفون في ساحة النار لتعتذروا عن كفركم ومعاصيكم في الدنيا .ولكن ما فائدة ذلك كله ،وما جدواه ،لأن الساعة هي ساعة الصدق الذي لا يمثل شيئاً من منطقكم المتهرب الكاذب ،فما عليكم إلا الاستسلام لمنطق الحقيقة التي تفرض نفسها عليكم من خلال اللاحجة على كل ما عملتموه .{لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْمَ} فلن تجديكم كل هذه الاعتذارات أو التبريرات ،{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ،لأن أعمالكم السابقة لم ترتكز على قاعدةٍ من الفكر الذي يملك حجّةً ،أو ينتهي إلى أساس من العذر العقلي .
وهذه هي المسألة التي يطرحها الإسلام على كل الناس ،فهو يريد منهم أن يقدّموا الحجة على انتماءاتهم وقناعاتهم من موقع الفكر ،ليدخلوا الحوار مع الآخرين ،ولا يلجأوا إلى الأعذار الواهية الناشئة عن التعنت والاستكبار ،لأنها لن تنفعهم شيئاً في ساعة الحقيقة المرّة .