{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} وهو الذي يملك الحدّ الوسط أي المعتدل في تفكيره ،لأنه يرصد الأمور بعقلٍ متوازن ،يدرس الواقع من خلال أسبابه المادية وعناصره الروحية الغيبية المتصلة بالله بما يبتلي به بعض عباده ،بالطريقة الغيبية التي لا تخطر على بال أحد ،لأنه الذي قد يسلب الإنسان رزقه من حيث لا يحتسب ،كما قد يرزقه من حيث لا يحتسب .
وقد كان هذا الإنسان يتحدث إليهم بالانفتاح على الله والإيمان به ،والحذر من عقابه في انحرافهم عن طريقه المستقيم ،وكانوا لا يسمعون له ،فلما رآهم وهم مستغرقون في دراسة الحسابات المادية من خلال الأجواء المحيطة بهم ،وغارقون في المشاعر النفسية السلبية المسحوقة تحت وطأة الحرمان ،التفت إليهم وقال لهم:{أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} في التفاتكم إلى عظمة الله في قدرته ،ما يفرض على كل عبادهوأنتم منهمأن يسبّحوه ويخضعوا له ويطيعوه ،في التزام أمره ونهيه ،وفي الإيمان بغيبه ،في ما يمكن أن يفعله في دائرة حكمته ،ليتركوا الأمور كلها معلقةً بمشيئة الله ،وخاضعةً في وعيهم الإيماني لإرادته التي لا يعجزها شيءٌ مهما كان عظيماً .
ورجعوا إلى أنفسهم ،وانكشفت عن عقولهم أغشية الغرور والكبرياء التي كانت تحجبهم عن رؤية النور المشرق من وحي الله ،في ما جاءت به رسله من توحيده ،ونفي الشركاء عنه ،وسعة قدرته في تدبير شؤون خلقه .