{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} وهو الصوف المنفوش .وهذا هو الجوّ الذي يقف فيه الإنسان مشدوهاً أمام هذا التغيّر العنيف الذي تفقد فيه السماء في أجرامها الصلبة تماسكها لتتحوّل إلى حالةٍ من السيولة كما هو ذوب المعادن ،أو كما هو الزيت الكدر ،كما تفقد فيه الجبال صلابتها لتتحول إلى أن تكون كالصوف الواهن .وبذلك تقف العيون في حريتها اللاهثة أمام الكون الذي يتساقط كما تتساقط حبّات المطر ،أو يسيل كما يسيل الينبوع في جريانه على وجه الأرض ،أو كما هي النُّسَيْمات في أجواء الفضاء ،وأمام الجبال التي كانت أوتاداً في الأرض ،فإذا بها رمالٌ خفيفةٌ تذروها الرياح في الجوّ المديد ،ليتساءل: ماذا هناك ،وماذا حدث ؟ويأتي الجواب من خلال الإحساس: إنه الكون الذي كان ،ثم بدأ الموت ليأتي كون جديد بإرادة الله الذي يريد للخلق أن يواجه الحياة الجديدة بكون جديد يتناسب مع طبيعة لون هذه الحياة .
إنها لحظات الحساب الذي هو المدخل لهذه الحياة ،الذي يختلف تبعاً للتاريخ الذي عاشه الإنسان في دنياه في الكون القديم ،ولذلك فإنّ العقل مشغول عمّن حوله باستعادة كل الأفكار التي كان يثيرها حول عقيدة الإنسان ،والعاطفة مشغولة عن كل الأوضاع التي تحيط بها في ما كانت تنبض به من مشاعر الحب والبغض والرضى والسخط ،ونحو ذلك مما يستثير المسؤولية أمام الإنسان في ما يشبه الصدمة التي تهز كيانه كله ،ليتعرف النتائج التي تحدّد نوعية مصيره النهائي .ولهذا فلا مجال لأيّ سؤال أمام أيّ شخص يلتقي به الإنسان ،من أولئك الذين كانت العلاقات الحميمة هي التي تربط بينهم في الدنيا ،في ما اعتاده الناس بأن يسألوا بعضهم بعضاً عن كل شيء يتعلق بهم ،ويتصل بحياتهم ،بعد فراقٍ طويلٍ .