كيف كان ردّ فعل قوم نوح على كلماته الهادئة الهادية ،وما هي المؤثرات السلبية التي كانت تترك تأثيراتها المضادة على موقفهم منه ؟
{قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} وابتعدوا عن الاستجابة لكل المنطق العاقل المتّزن الذي كنت أثيره في عقولهم ،وعن الالتزام بكل النصائح التي أقدّمها لهم ،لأن مشكلتهم أنهم لا يملكون منطق العقل الذي يدفعهم إلى التفكير العميق ،أو لا يريدون تحريك هذا المنطق في حياتهم الفكرية أو العملية ،بل عملوا على تجميد حركة الوعي في وجدانهم ،كما أن مأساتهم هي أنهم لا يعيشون الجدّية التي هي قضية المسؤولية العملية في سلوكهم الأخلاقي في جميع المجالات ،بل كل ما لديهم هو أنهم يخضعون لسلطة المال ،فينبهرون بمظاهره وزخارفه وخيلاء أصحابه وكبريائهم ،كما يعتبرون كثرة الأولاد قيمةً اجتماعيةً لدى هؤلاء الناس الذين يستغرقون في كثرة أموالهم وأولادهم حتى يضلّوا عن السبيل .
{وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً} لأنه استغرق في ذلك حتى ضلّ عن معرفة الحقيقة التي تشرق في وجدان المنفتحين على الله وعلى النور القادم من وحيه .
وهكذا تطوّر الأمر به ،أي بالذي «لم يزده ماله وولده إلا خساراً » إلى أن اجتذب المستضعفين من الفقراء والمحرومين ،أو من المنبهرين به من سائر الناس ،فمنعهم عن الاستجابة للرسالات السماوية التي تزرع القيمة الروحية في الحياة ،ليكون التفاضل بالعلم والعمل الصالح بعيداً عن كل الأمور المادية ،فتبعد الناس عن القيم الروحية التي تعمِّق في الإنسان شعوره بإنسانيته ،وتدفع الجميع إلى المعاملة الإنسانية على صعيد العلاقات العامة .