{وَمِنَ اللّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} فإن السجود هو آية الخضوع ،ورمز الإِعلان عن العبودية لله ،بما يمثله من الذوبان الروحي في الله ،حتى كأن السجود في تعفير الجبهة التي هي رمز العنفوان ،بالتراب بين يدي الله ،يمثل سجود القلب في نبضاته ،واللسان في كلماته ،والحياة في كل مظاهرها العملية: في خضوعها له وانفعالها بأوامره ونواهيه ،{وَسَبِّحْهُ ليْلاً طَوِيلاً} في ابتهالات الداعي ،وخشوع العابد ،وهمسات المحبّ التي تعبِّر بكل أساليبها وكلماتها عن عظمته ،بما يوحيه التسبيح من ذلك ،ليمتد مع الليل الطويل الذي تشرق الروح في قلب ظلامه ،عند هدوء الأصوات ،وصفاء المشاعر .ولعل السرّ في السجود الذي يعبّر عن الصلاة في الليل ،وفي التسبيح الذي يعبر عن الدعاء والمناجاة في أجواء السحر ،هو أن الله يريد لعباده أن يكونوا مشدودين إليه دائماً ،منفتحين عليه أبداً ،ليبقى ارتباطهم به أساساً للبقاء في مواقع طاعته وعبادته .