{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} وتكامل نوره في الليالي البيض ،فيشرق على الكون إشراقة الوداعة التي توحي بالسلام الحلو في قلب الظلام المخيف ،فيزيل الوحشة في النفس ،ويبعث الحذر في الإحساس ،ويطوف بالروح في آفاق الأحلام الجميلة التي تملأ الإنسان أملاً وحباً وانفتاحاً على المواقع الرحبة في الحياة .
ويبقى لهذه المشاهد الكونيّة في الأفق الممتد الذي يودّع الشمس اللاهبة في نورها الحارّ المشتعل ،الذي يوحي بالدفء تارةً ،وبالحريق أخرى ،ليلتقي بالشفق الذي يوحي بولادة الليل في خطوات النور المنسحب ،ليجتمع الناس في قلب الظلام الذي يوحي إليهم بتلك الجلسات العائلية الحميمة ،وبتلك الاجتماعات الروحية الجميلة ،ولينطلق القمر بهذا النور الوديع الذي يصبغه الظلام بلونه الهادىء .
ويبقى للإنسان أن يفكر في هذه المشاهد تفكير الباحث عن سرّ الروعة والجلال فيها ،وعن عظمة الخالق في ما توحي به من عظمة الخلق ودقة التدبير .وتجد في النفي الذي يتصدّر الحديث عنها للقسم بها ،أنها في الموقع المميز الذي يستحق تعلّق القسم به ..ولكنّ الله لا يقسم بها ،لأن الحقيقة التي يريد أن يقرّرها لا تحتاج إلى التأكيد بالقسم ،لأنها واضحة لكل من تأمّل بها ،وعرف سنة الله في خلقه .