الملك الحافظ للأعمال
{إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} وهذا هو ما أراد القسم تأكيده ،وكلمة «لما » بمعنى «إلاّ » ،أي ما من نفسٍ إلا وعليها حافظ يحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة ،والظاهر أن المراد بالحافظ الملك الذي يكتب صحيفة الأعمال .
وقد احتمل صاحب الميزان( رحمه الله ) ،«أن يكون المراد من حفظ النفس حفظ ذاتها وأعمالها ،والمراد بالحافظ جنسه ،فتفيد أن النفوس محفوظة لا تبطل بالموت ولا تفسد ،حتى إذا أحيا الله الأبدان ،أرجع النفوس إليها ،فكان الإنسان هو الإنسان الدنيويّ بعينه وشخصه ،ثم يجزيه بما تقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شرّ .
ويؤيّد ذلك كثيرٌ من الآيات الدالة على حفظ الأشياء كقوله تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [ السجدة:11] ،وقوله:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} »[ 1] [ الزمر:42] .
ونلاحظ أنّ هذا الاحتمال بعيد عن الظهور من خلال أن السياق ينطلق في بيان مسؤولية الإنسان عن أعماله التي يواجهها في يوم القيامة ،ما يفرض عليه الدقّة في المحاسبة والمراقبة ،وعدم الشعور بالحرية المطلقة في ما يأخذ به وفي ما يدعه ،ولا موجب للحديث عن حفظ النفوس وعدم بطلانها بالموت ،فإنّ طبيعة الحديث عن المعاد يفرض ذلك من دون حاجةٍ إلى هذا التعبير البعيد عن الذهن ،أما ما ذكره شاهداً على ذلك من الآيتين ،فالظاهر أن المراد بهما حفظ النفس في الحياة من الموت قبل إتيان الأجل ،والله العالم .