جلال خلق الجبال
{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} على الأرض لتمتد قواعدها في الأعماق السحيقة السحيقة من الأرض ،ولترتفع شامخةً في أعالي الفضاء ،مع هذه الضخامة والصلابة اللتين توحيان بالمهابة والجلال ،لينطلق النظر في دراسة العناصر المكوّنة لها ،والظروف المحيطة بأوضاعها ،والقوانين المتحكمة فيها ،والأسرار المودعة فيها ،والمنافع التي تخرج منها ،ليتعرفمن خلال ذلك كلهإلى مواقع قدرة الله في ذلك ،ويكتشف أنها لا بد من أن تكون مخلوقةً له ،ولو تأمل في انتصابها المرتفع فوق الأرض ،لتكون رواسي فيها ،حذراً من أن تميد بأهلها بفعل بعض الاهتزازات والمتغيرات والمؤثرات ،ليعرف أن ذلك كلّه من تدبير الإله القادر الحكيم .
وربما كان الحديث عن الجبال ،في خصوصيتها الوجودية ،لما تمثله من ملاذٍ وملجأٍ ومرتعٍ ومنبعٍ ومهابةٍ وجلالٍ وروعةٍ وجمال ،بحيث تثير انتباه الإنسان الذي قد يُشغل بالنظرة الساذجة إليها في غفلة الوعي الذي يبحث عن المواقع الخفية للأسرار في ظواهر الكون ،فكانت الالتفاتة القرآنية لتتعمق النظرة فتكون نافذةً على المعرفة ،لا ملهاةً للنفس .