من خلق السماء ونظمها ؟
{وَإِلَى السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} هذه السماء العظيمة الواسعة الممتدة في كل الأفق ،التي لا تملك أيّة ركائز ثابتةٍ في الأرض ،في ما اعتاد النظر فيه أن يبحث لكل شيءٍ معلّقٍ في الفضاء عن القواعد التي يملك الثبات في الموقع المرتفع من خلالها ،وهذه السماء التي تمنحك الدفء والنور وحرارة النموّ في مفردات الحياة ،من خلال الشمس التي يتدفق النور منها كالشلال ،عندما يتحرك الشروق بقوّةٍ في كبد السماء في انطلاق النهار ،ويفرّ النور من الأفق تدريجياً بلطفٍ وسحرٍ ونداوةٍ ووداعةٍ ،في غروبها الجميل البديع ،عندما يتقدم الليل ليأخذ موقعه في أرجاء السماء وفي آفاق الأرض ،حيث تتلألأ الكواكب ،حتى ليبدو لك من بعيد ،بالنظرة الساذجة ،أنها المصابيح التي تزيّن الأفق ،وتبدع النور الهادىء ،وتشير إلى مواقع السبل التي تحدد للناس خط السير في ما يقصدون .ثم ،قد ينطلق القمر في رحاب هذه السماء ،ليمنح الكون نوراً بارداً رقيقاً ممزوجاً بسحر الظلام ،فإذا بالسحر يتضاعف في هذا المزيج العجيب من النور والظلام ،بسبب ما يلقي من ظلالٍ ،وما ينهمر من شعاع ...أفلا ينظرون إلى هذه{السَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} مع كل هذه الضخامة وهذا الامتداد والتنوّع في عناصرها المكوكبة التي قد تكون في طبيعتها تحمل أكثر من عالمٍ ،وأوسع من كونٍ ؟هل رفعت نفسها ؟هل خلقت وجودها ؟هل كانت صدفةً ،أم أنها من تقدير العزيز الحكيم ،مبدع الوجود كله ؟
ويبقى للإنسان في تطور النظرة ،وتطوّر البحث ،وتقدّم المعرفة ،الكثير الكثير مما يمكن أن يحصل عليه من أسرار قوانين نشأة السماء وصيرورتها عبر الزمن المديد في صورتها وتكوينها المادي ،ليستوحي من خلال ذلك ،الإيمان المنبثق من الحقيقة الساطعة التي تفرض نفسها على كل عقل نيّر ،وقلب منفتح سليم ،القائلة بأن وراء هذه الظواهر كلها إلهاً واحداً قديراً ،ولتستوحي آفاق الغيب في علم الله وقدرته من خلال الجو الغامض الذي يوحي به الحس في النظرة البسيطة والفكرة العميقة .