النظر إلى آيات الله في خلقه
وهذه نقلةٌ تأمليّةٌ إلى أجواء الفكر في ما يعيشه الإنسان الحائر المنفتح على العناصر الموضوعية في مواجهة الحقيقة الإيمانية ،والتي تدفع بالإنسان إلى الأخذ بالنظرة الجادّة الباحثة عن خلفيات الأشياء من حوله وعن آفاقها وأسرارها وإيحاءاتها ،كأساسٍ للحوار ولاعتبار والاقتناع في ما يتحاور ويعتبر ويقتنع الناس به ،ولهذا أراد القرآن أن يذكر الناس فيها بالله وبمسؤوليتهم أمامه ،من خلال توجيه أنظارهم إلى بعض مظاهر خلقه ،وتجليات قدرته ،لإعمال التأمل والتفكير والنظر ،ليقودهم هذا كله إلى معرفة أسرارها في ما يستطيعون معرفته منها ،وإلى إثارة اندهاشهم من خلال ما يمكن أن يستقرئوه من بعض خفاياها وأوضاعها المعقّدة ،ليكون ذلك أساساً لنظرٍ مستمرٍّ ،وتفكيرٍ دائمٍ ،وليحمل كل جيل إلى الجيل القادم من بعده بعض محاصيل التفكير والمعرفة عنده ،وبعض علامات الاستفهام التي لم يستطع أن يجد الجواب عليها ،ليدفعه إلى الاستفادة من تراث المعرفة ،وإلى البحث عن الأجوبة المفيدة عن علامات الاستفهام ،وهكذا طرح الله ،سبحانه ،على الناس المتحيرين والشاكين والمعاندين والراغبين في الوصول إلى الحقيقة ،ضرورة النظر إلى الإبل والسماء والجبال والأرض ،في طريق الوصول إلى الإيمان .
إبداع خلق الإبل
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} في هذا الإعداد الوجودي الفريد الذي يتحرك من خلاله هذا الحيوان الصحراوي الذي يسهل لإنسان الصحراء ،أو الإنسان الذي تفرض عليه ظروف حياته أن يقطع الصحراء ،عملية نقله من مكان إلى آخر ،لانعدام أي وسيلة أخرى آنذاك .فقد ركّب الله في هذا الحيوان خزّاناً يحتفظ بالماء ليروي ظمأه منه عندما يحتاج إليه ،ومجمّعاً دهنياً يستطيع التغذي منه عندما يجوع ،كما جعله ذلولاً ينقاد لصاحبه ولراكبه ولقائده مع ضخامة جثته وشدّة بأسه ،حتى أنه يخضع للطفل الصغير ،ومنحه الصبر العجيب الذي يتحمل به كل قسوة الصحراء ومشكلاتها الطارئة ،وكل أوضاع الجوع والعطش وسوء الأحوال ،كما أنه لا يحتاج إلى المال الكثير لتغذيته لتيسُّر مرعاه بشكلٍ غير مكلف أو معقّد ،إلى غير ذلك من الخصائص العجيبة التي لا يملك الإنسان ،عندما يراها أو يكتشفها ،إلا أن يدرك أن الله الواحد العظيم الحكيم هو الذي أبدع هذا الحيوان ليقوم بدوره الكبير في النظام العام للحياة ولحركة الإنسان فيها .