التّفسير
الإبل ..من آيات خلق اللّه:
بعد أن تحدثت الآيات السابقة بتفصيل عن الجنّة ونعيمها ،تأتي هذه الآيات التوضح معالم الطريق الموصل إلى الجنّة ونعيمها .
فمفتاح المعرفة «معرفة اللّه » ،ووصولاً لهذا المفتاح تذكر الآيات أربعة نماذج لمظاهر القدرة الإلهية وبديع الخلقة ،داعية الإنسان للتأمل ،عسى أن يصل إلى ما ينبغي له أن يصل إليه .
وتشير أيضاً إلى أنّ قدرة اللّه المطلقة هي مفتاح درك المعاد ..
فتقول الآية الأولى: ( أفلا ينظرون إلَى الإبل كيف خلقت ) .
ولكن ،لِم اختص ذكر «الإبل » قبل غيره ؟
للمفسّرين حديث طويل في ذلك ،لكنّ الواضح إنّ الآيات في أوّل نزولها كانت تخاطب أهل مكّة قبل غيرهم ،والإبل أهم شيء في حياة أهل مكّة في ذلك الزمان ،فهي معهم ليل نهار وتنجز لهم ضروب الأعمال وتدر عليهم الفوائد الكثيرة .
أضف إلى ذلك أنّ لهذا الحيوان خصائص عجيبة قد تفرّد بها عن بقية الحيوانات ،ويعتبر بحق آية من آيات خلق اللّه الباهرة .
ومن خصائص الإبل:
1لو نظرنا إلى موارد الاستفادة من الحيوانات الأليفة ،فسنرى أنّ قسماً منها لا يستفاد إلاّ من لحومها ،والقسم الآخر يستفاد من ألبانها على الأغلب ،وقسم لا يستفاد منه إلاّ في الركوب ،وقسم قد تخصص في حمل ونقل الأثقال ،ولكنّ الإبل تقدم كلّ هذه الخدمات ( اللحم ،اللبن ،الركوب والحمل ) .
2قدرة حمل وتحمل الإبل أكثر بكثير من بقية الحيوانات الأهلية ،حتى أنّها لتبرك على الأرض فتوضع الأثقال عليها ثمّ تنهض بها ،وهذا ما لا تستطيع فعله بقية الحيوانات الأهلية .
3تتحمل العطش لأيّام متتالية ( بين السبعة إلى عشرة أيّام ) ،وقابليتها على تحمل الجوع مذهلة .
4يطلق عليها اسم ( سفينة الصحراء ) ،لما لها من قابلية فائقة على طي مسافات طويلة في اليوم الواحد ،رغم الظروف الصحراوية الصعبة ،فلا يعرقل حركتها صعوبة الأرض أو كثرة المنخفضات الرملية ،وهذا ما لا نجده في أي حيوان أخر وبهذه المواصفات .
5مع إنّها تتغذى على أي شوك وأيّ نبات ،فهي تشبع بالقليل أيضاً .
6لعينها واُذنها وأنفها قدرة كبيرة على مقاومة الظروف الجوية الصعبة في الصحراء ،وحتى العواصف الرملية لا تقف حائلاً أمام مسيرها .
7والإبل مطيعة وسهلة الانقياد ،لدرجة أنّ بإمكان طفل صغير أن يأخذ بزمام مجموعة كبيرة من الإبل وتتحرك معه حيث يريد .
والخلاصة: إنّ ما يتمتع به هذا الحيوان من خصائص تدفع الإنسان لأن يلتفت إلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى .
وها هو القرآن ينادي بكلّ وضوح: يا أيّها الضالون في وادي الغفلة ألاّ تتفكرون في كيفية خلق الإبل ،لتعرفوا الحق وتخرجوا من ضلالكم ؟!
ولابدّ من التذكير ،بأنّ «النظر » الوارد في الآية ،يراد به النظر الذي يصحبه تأمل ودراسة .