{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ( البقرة:103 ) .
التفسير:
قوله تعالى:{ولو أنهم آمنوا} أي بقلوبهم{واتقوا} أي بجوارحهم ؛فالإيمان بالقلب ؛والتقوى بالجوارح ؛هذا إذا جمع بينهما ؛وإن لم يجمع بينهما صار الإيمان شاملاً للتقوى ،والتقوى شاملة للإيمان ؛لقول النبي صلى الله عليه وسلم"التقوى هاهنا "{[131]} وأشار إلى قلبه ؛والإيمان عند أهل السنة والجماعة:"التصديق مع القبول ،والإذعان "؛وإلا فليس بإيمان ؛و"التقوى "أصلها: وَقْوَى ؛وهي اتخاذ وقاية من عذاب الله ؛وذلك بفعل أوامر الله ،واجتناب نواهيه ؛وهذا أجمع ما قيل في معناها ؛وإلا فبعضهم قال:"التقوى "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ؛وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله ؛وبعضهم قال في تعريف"التقوى ".
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واعمل كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى وقوله تعالى:
{ولو أنهم}:"أن "هنا مفتوحة الهمزة ؛و "أن "من الحروف المصدرية التي تؤول ،وما بعدها بمصدر فاعل لفعل محذوف ؛والتقدير: لو ثبت أنهم آمنوا .أي إيمانهم ..
قوله تعالى:{لمثوبة}؛ "المثوبة "،و"الثواب "بمعنى الجزاء ؛وسمي بذلك ؛لأنه من ثاب يثوب: إذا رجع ؛لأن الجزاء كأنه عمَلُ الإنسان رجع إليه ،وعاد إليه منفعته ،وثمرته ..
قوله تعالى:{من عند الله} أضافها الله إلى نفسه ،وجعلها من عنده لأمرين: .
الأول: أنها تكون أعظم مما يتصوره العبد ؛لأن العطاء من العظيم عظيم ؛فالعطية على حسب المعطي ؛عطية البخيل قليلة ؛وعطية الكريم كثيرة ..
الثاني: اطمئنان العبد على حصولها ؛لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد ..
قوله تعالى:{خير}: الأَولى أن نقول: هي خيرية مطلقة .خير من كل شيء .؛واللام في قوله:{لمثوبة} واقعة في جواب{لو}؛ويوقف عند قوله:{لمثوبة من عند الله خير}؛ولا توصل بما بعدها ؛لأنها لو وصلت به لاختل المعنى ،حيث تكون مع الوصل: المثوبة خير بشرط العلم ؛والأمر ليس كذلك ؛وعلى هذا فجواب{لو كانوا يعلمون} محذوف تقديره: لآمنوا واتقوا ..
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: سعة حلم الله ،حيث يعرض عليهم الإيمان ،والتقوى ؛لقوله تعالى:{ولو أنهم آمنوا واتقوا} يعني فيما مضى ،وفيما يستقبل ؛وهذه من سنته سبحانه وتعالى أن يعرض التوبة على المذنبين ؛انظر إلى قوله تعالى:{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} البروج: 10]: يُحَرِّقون أولياءه ،ثم يعرض عليهم التوبة ؛لقوله تعالى:{ثم لم يتوبوا ..
. 2 ومنها: أن الإيمان يُنال به ثواب الله ؛لقوله تعالى:{ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ..
. 3 ومنها: أن ثواب الله خير لمن آمن واتقى من الدنيا ؛لقوله تعالى:{ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير} أي خير من كل شيء ؛قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:"لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا ،وما فيها{[132]} "..
. 4 ويؤخذ منها: ومن قوله تعالى عن الناصحين لمن تمنوا أن يكون لهم مثل ما لقارون:{ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً}
[ القصص: 80] ،أنّ التقوى هي العمل الصالح ..
. 5 ومنها: أن فعل هؤلاء اليهود ،واختيارهم لما فيه الكفر من تعلم السحر فعلُ الجاهل ؛لقوله تعالى: ( لو كانوا يعلمون ) .