{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} . ( البقرة:121 ) .
التفسير:
قوله تعالى:{الذين آتيناهم الكتاب} مبتدأ ؛وجملة ؛{يتلونه حق تلاوته} قيل: إنها خبر المبتدأ ؛وعلى هذا فتكون الجملة الثانية:{أولئك يؤمنون به} استئنافية ؛وقيل: إن قوله تعالى:{يتلونه حق تلاوته} جملة حالية ،وأن جملة:{أولئك يؤمنون به} خبر المبتدأ ؛والأقرب الإعراب الثاني ؛لأن الكلام هنا عن الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمنون به إلا من يتلو الكتاب حق تلاوته سواء التوراة ،أو الإنجيل ،أو القرآن ؛وعلى هذا فقيد الذي آتيناه الكتاب بكونهم يتلونه حق التلاوة أحسنيعني: أن من أوتي الكتاب ،وصار على هذا الوصفيتلوه حق تلاوتهفهو الذي يؤمن به.
وقوله تعالى:{آتيناهم الكتاب} أي أعطيناهم الكتاب ؛والإيتاء هنا إيتاء شرعي ،وكوني ؛لأن الله تعالى قدر أن يعطيهم الكتاب ،فأعطاهم إياه ؛وهو أيضاً إيتاء شرعي ؛لأنه فيه الشرائع ،والبيان ؛والمراد بمن آتاهم الكتاب: إما هذه الأمة ؛أو هي ،وغيرها ؛وهذا هو الأرجحأنه شامل لكل من آتاه الله الكتاب؛و{الكتاب} المراد به الجنس ؛فيشمل القرآن ،والتوراة ،والإنجيل ،والزبور ،وغيرها من كتب الله عزّ وجلّ .
قوله تعالى:{يتلونه حق تلاوته}؛«التلاوة » تطلق على تلاوة اللفظوهي القراءة؛وعلى تلاوة المعنى وهي التفسير؛وعلى تلاوة الحكموهي الاتِّباع؛هذه المعاني الثلاثة للتلاوة داخلة في قوله تعالى:{يتلونه حق تلاوته}؛ف «التلاوة اللفظية » قراءة القرآن باللفظ الذي يجب أن يكون عليه معرباً كما جاء لا يغير ؛و«التلاوة المعنوية » أن يفسره على ما أراد الله ؛ونحن نعلم مراد الله بهذا القرآن ؛لأنه جاء باللغة العربية ،كما قال لله تعالى:{بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 195]؛وهذا المعنى في اللغة العربية هو ما يقتضيه هذا اللفظ ؛فنكون بذلك قد علمنا معنى كلام الله عزّ وجلّ ؛و«تلاوة الحكم » امتثال الأوامر ،واجتناب النواهي ،وتصديق الأخبار .
وقوله تعالى:{حق تلاوته} هذا من باب إضافة الوصف إلى موصوفهيعني: التلاوة الحق؛أي التلاوة الجِد ،والثبات ،وعدم الانحراف يميناً ،أو شمالاً ؛وهو من حيث الإعراب: مفعول مطلق ؛لأنه مضاف إلى مصدر ،كما قال ابن مالك في الألفية:
كجِدَّ كل الجِدِّ قوله تعالى:{ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}؛{من} شرطية جازمة ؛{يكفر} مجزوم على أنه فعل الشرط ؛{به} أي بالكتاب ؛وجملة:{فأولئك هم الخاسرون} هي جواب الشرط ؛واقترنت بالفاء ؛لأنها جملة اسمية ؛والجملة الاسمية إذا كانت جواباً للشرط وجب اقترانها بالفاء ؛وأتى بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت ،والاستمرار ؛وأتى بضمير الفصل{هم} لإفادة الحصر ،والتوكيد ؛يعني: فأولئك الذين كفروا به هم الخاسرون لا غيرهم ؛وأصل «الخسران » النقص ؛ولهذا يقال: ربح ؛ويقال في مقابله: خسر ؛فهؤلاء هم الذي حصل عليهم النقص لا غيرهم ؛لأنهم مهما أوتوا من الدنيا فإنها زائلة ،وفانية ،فلا تنفعهم .
الفوائد:
1من فوائد الآية: منة الله عزّ وجلّ على من آتاه الله تعالى الكتاب ،فتلاه حق تلاوته .
2 ومنها: أنه ليس مجرد إتيان الكتاب فضيلة للإنسان ؛بل الفضيلة بتلاوته حق تلاوته .
3 ومنها: أن للإيمان علامة ؛وعلامته العمل ؛لقوله تعالى:{أولئك يؤمنون به} بعد قوله عزّ وجلّ:{يتلونه حق تلاوته} .
4 ومنها: أن من خالف القرآن في شيء كان ذلك دليلاً على نقص إيمانه ؛لقوله تعالى:{يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به}؛فمعنى ذلك: إذا لم يتلوه حق تلاوته فإنهم لم يؤمنوا به ؛بل نقص من إيمانهم بقدر ما نقص من تلاوتهم له .
5 ومنها: أن تلاوة القرآن نوعان ؛تلاوة حق ؛وتلاوة ناقصة ليست تامة ؛فالتلاوة الحق أن يكون الإنسان تالياً للفظه ،ولمعناه عاملاً بأحكامه مصدقاً بأخباره ؛فمن استكبر أو جحد فإنه لم يتله حق تلاوته .
6 ومنها: أن الكافر بالقرآن مهما أصاب من الدنيا فهو خاسر ؛لقوله تعالى:{ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}؛يكون خاسراًولو نال من الدنيا من أموال ،وبنين ،ومراكب فخمة ،وقصور مشيدة؛لأن هذه كلها سوف تذهب ،وتزول ؛أو هو يزول عنها ،ولا تنفعه ؛واذكر قصة قارون ،واتل قول الله تعالى:{قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين} [ الزمر: 15]؛فإذاً يصدق عليهم أنهم هم الخاسرون ،كما في قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} [ المنافقون: 9]؛ولما كان الذي يتلهى بذلك عن ذكر الله يظن أنه يربح قال تعالى:{ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [ المنافقون: 9] يعني: ولو ربحوا في دنياهم .
7 ومن فوائد الآية: علوّ مرتبة من يتلون الكتاب حق تلاوته ؛للإشارة إليهم بلفظ البعيد:{أولئك يؤمنون به} .